المرشد الأسري

■تقول قارئة: أعاني مشكلة وهي البحث عن المثالية في ما يخص حياتي اليومية، من خلال تربية أبنائي، أو علاقتي مع أقاربي وأصحابي، أو في مجال العمل، فينتابني شعور بالإحباط والشك والتردد وعدم القدرة على الإنجاز.

■■تعد المثالية خصلة نادرة، وغاية سامية، يصعب على أي أحد منا الوصول إليها، وجاءت النظم الإدارية اليوم لتثبت أن جميع المجالات الصناعية الدقيقة بالأرقام والحسابات عاجزة عن خلو الأجهزة المصنعة من النقص والعيوب، ولو بنسب ضئيلة قد لا تُرى بالعين المجردة.

فالوصول إلى الكمال مستحيل، ومهما بلغ المرء درجة من الكمال في حساباته، سيأتي الوقت الذي يكتشف فيه، في وسط الطريق أو عند إنهاء المهمة، أن هناك نقصاً، على الرغم من الحرص والتدقيق والاجتهاد، فقد يأتي غيره ويُظهر له عيوباً في ما قام به، ومهما بلغ الأديب من البلاغة وسحر البيان، أو الفقيه من العلم والخشية والإتقان، أو الشاعر من دقة تنظيم المعاني والقوافي والكلمات، سيأتي مِن خلفهم أو عن أيمانهم مَن يظهر ما كان فيهم من النقص والخطأ والزلل.

ومهما بلغ الإنسان منزلة عالية فالعلو هو الذي سيظهر ما فيه من العيب والنقص، فالله وحده هو الذي يتصف بالكمال، فالذي يبحث عن إنجاز هدفٍ ما، لن يصل إليه من أول مرة، فيجب أن يخضع لقوانين الحياة، فالمحاولة الأولى قد تكون فاشلة، والثانية تعلّمه الإصرار، والثالثة تعلمه الصبر، والرابعة تعلمه الإرادة، وهذا في مجال الإنجاز بنسب عالية قد تصل إلى 95%، فكيف بمن يبحث عن الكمال.

ويصاب بعض الأذكياء بعقدة الذكاء، لأنهم ما حصّلوا 100% في جميع المواد، وهناك فرق بين الغاية والنتيجة، ونحن نطلب المثالية كغاية، أما النتيجة فستكون غالباً قريباً منها، لندرك أن الكمال لله وحده. إنّ فهم هذه القوانين يجعلنا دائماً في حالة من الطمأنينة والفهم والإدراك، وتعد المثالية عند البعض جزءاً من الشخصية الفطرية المركبة، كالمثالية في التنظيم، والترتيب، والتنظيف، والتربية، والمعاملة، وهي المثالية الشخصية التي ترهق النفس ولا تلبي حاجاتها الداخلية، فيُحبط الشخص إذا لم يصل إلى الغاية المنشودة.

فلا نقف عند مطبات الإحباط إن لم نجد النتيجة المثالية، بل نواصل الطريق، لا للتراجع عن الغاية المنشودة، وإن هاجمتنا عوائق التردد والشك، وإنما نبدأ من حيث انتهينا، نأخذ بالأسباب بالتوكل على الله، قال الله تعالى: ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً﴾. الطلاق (3)

تويتر