نقطة حبر

ما قلّ ودلّ

استُخدم مصطلح «التمكين» باللغة العربية لأول مرة قبل ربع قرن تقريباً، وقد تزامن ذلك مع ترجمة كتاب «الإدارة المتحررة» للمفكر والمستشار العالمي «توم بيترز».

ومن أبرز من تناولوا علاقة «التمكين» بالإبداع في التعليم، هو فيلسوف التربية المعاصر «كين روبنسون»، الذي نشرت له مؤسسة محمد بن راشد للمعرفة، كتاب «حرر أفكارك وتعلم أسرار الابتكار»، فمفهوم «تمكين» الطلاب يرتبط أساساً بتحرير التعليم من بعض تقاليده، التي بدأت مع الثورة الصناعية، وبث روح المبادرة والمسؤولية في الأجيال الصانعة لثورة المعرفة الرقمية.

عندما نفكر في التعليم، فإن أدواره تبرز وتتقاطع في أذهاننا، لأن للتعليم أربعة أدوار هي: «ثقافي» وعماده المعرفة التي تعمق فهمنا للعالم، و«اجتماعي» وعماده العلاقات التي تؤمّن لنا الاحترام والتقدير في مؤسساتنا ومجتمعاتنا، و«اقتصادي» وعماده المهارات التي تساعدنا على العمل والإنتاج والمشاركة في التنمية، و«شخصي» وعماده الأحاسيس والمواهب المرتبطة بالشغف والحوافز، وتحقق لنا الشعور بالسعادة وتقدير الذات والسعي نحو الطموحات.

وكما يقول المؤلفان «سبنسر» و«جولياني»، اللذان ربطا بين التمكين وتحمّل المسؤولية، فإن الأدوار الاقتصادية والاجتماعية للتعليم تجعل من حق كل طالب أن يتعلم ليكون قادراً على تحمّل مسؤولياته، ولأن كل طالب يمثل لنفسه ولذويه العالم بأسره، فإن تمكينه يعزّز علاقاته الاجتماعية ويعمق مشاعره، ليُكوّن نظرة شاملة للحياة، وليشعر بالسعادة وهو يلعب دوره الإنساني العام، ودوره الفردي الخاص، الذي يتبلور في تحمّله لمسؤولياته.

ولأن المقدمات تُفضي دائماً إلى نتائج، فإن أهمية التمكين تنبع بداية من الجانبين الشخصي والثقافي، وتقود نهاية إلى الجانبين الاجتماعي والاقتصادي، وبهذا فنحن فعلاً نصنع العالم الذي نعيش فيه، مثلما أن وظائفنا وعوالمنا تصنعنا. وهذا ما يجعل من الحضارة الإنسانية نتاجاً للرؤى والمبادرات الجديدة التي تجاوزت القناعات القديمة وغيرتها، فالتمكين في التعليم هو أداة للتغيير والتطوير.

ولإدراك القدرات الإبداعية الحقيقية في مدارسنا وفي مجتمعاتنا يحتاج طلابنا إلى التفكير بشكل مختلف في أنفسهم، وإلى التعامل بشكل مختلف بعضهم مع بعضاً، وهنا يتجلى دور المعلمين في نظم التعليم الإيجابية، التي تمنح الطلاب حرية أن يكوّنوا أنفسهم، وهم يخوضون تجاربهم ويصنعون عوالمهم.

وستبقى مثل هذه المهام صعبة على المعلمين ما لم تمكنهم استراتيجيات وسياسات التعليم من ذلك، وهذه مسألة محورية، لأن التغيّرات السريعة التي تواجهنا كثيرة وبالغة التأثير، وليس هناك أقوى من التمكين كفعل إبداعي ومتميز ومؤثر في قيادة التغيير.

• لإدراك القدرات الإبداعية الحقيقية في مدارسنا وفي مجتمعاتنا، يحتاج طلابنا إلى التفكير بشكل مختلف في أنفسهم.

أمين عام مؤسسة حمدان بن راشد آل مكتوم للأداء التعليمي المتميز

تويتر