تحسباً لموت الضمير

تتكرر الدعاوى القضائية التي تشهد اتهامات متبادلة بين طرفي العلاقة الزوجية، سواء كانا زوجين حاليين أو سابقين، باستغلال أحدهما للآخر مادياً، وربما يكون ذلك السبب الرئيس للانفصال، أو قد ينشأ عن خلافات أخرى تتطور لدرجة استدعاء الماضي، وإصرار كليهما أو أحدهما على استرداد ما قدمه في الماضي لشريك حياته عن محبة وطيب خاطر.

من النادر أن يشترط أحد الزوجين على الآخر تحرير مستند يثبت حقه المادي سواء كان عبارة عن سلفة أو مساعدة مادية أو شراكة تجارية، أو حتى مال منقول، مثل سيارة أو عقار أو غير ذلك، في ظل سريان المياه في مجاريها، ووجود أبناء.

ومن المتكرر أن يحصل زوج على قرض باسم زوجته العاملة، أو يشتري مركبة باسمها، دون أن تتوقع إطلاقاً أن ينقلب عليها يوماً ما، وينكر أحقيتها بما منحته له عن رضا، فتضطر في النهاية للجوء إلى القضاء لاستعادة حقوقها.

وفي هذا الشأن كان موقف المشرع الإماراتي واضحاً في المادة 62 من القانون رقم 28 لسنة 2005 وأحدث تعديلاته في عام 2019 بشأن الأحوال الشخصية، إذ نصت الفقرة الأولى منها على أن «المرأة الراشدة حرة في التصرف في أموالها، ولا يجوز للزوج التصرف في أموالها دون رضاها، فلكل منهما ذمة مالية مستقلة، فإذا شارك أحدهما الآخر في تنمية مال أو بناء مسكن ونحوه كان له الرجوع على الآخر بنصيبه فيه عند الطلاق أو الوفاة».

وهكذا يؤكد النص السابق استقلال ذمة الزوجة المالية، وعدم جواز التصرف في أموالها من قبل الزوج دون رضاها، وحقها في ما شاركت به لبناء مسكن أو مشروع تجاري أو خلاف ذلك، لكن مربط الفرس في كل ما سبق هو إثبات هذا الحق، إذ يستقر القضاء على أنه لا ضمان لأطراف الرابطة الزوجية في المسائل والشؤون المالية إلا الثبوتيات التي تؤكد حق الطرف المدعي في نصيبه من المال الذي يطالب به،

وهنا نأتي إلى موطن النزاع الحقيقي في غالبية الدعاوى المثارة، وهو إثبات الحق، والارتكان إلى ضمير الطرف المدعى عليه، الذي يكون غالباً ميتاً وليس نائماً فقط، لأن مجرد لجوء الزوجة إلى القضاء يأتي بعد فشلها في الحصول على حقها ودياً.

وبعيداً عن المثاليات، وبناء على واقع تشهده المحاكم، وتجارب عملية، نجد أن الإفراط في التسامح مادياً من قبل أحد الزوجين قد يجعله ضحية لجشع الآخر، لذا جاء القانون واضحاً لضمان الحقوق.

وليس من العيب إطلاقاً أن يثبت كل طرف حقه بالشكل الذي يراه مناسباً دون اعتبار ذلك نوعاً من قلة الثقة، على غرار ما يفعله الأزواج غير العرب، فالزواج لديهم يمثل شراكة حقيقية، ولكليهما ذمة مالية مستقلة، لا يمكن التغول عليها تحت أي ظرف، لذا حين يقع الانفصال بينهما يكون ودياً، لإدراك كل منهما لحقوق الآخر من البداية.

محكم ومستشار قانوني

تويتر