آراء

حين تنقذنا «الضرورة»

حالة الضرورة وضع حياتي وقانوني تطرقت إليه جميع الشرائع والأنظمة الجنائية القديمة نظراً لأهميته وقابلية حدوثه وتكراره، إذ نسمع أو نقرأ كثيراً أن فلاناً اضطر لارتكاب جريمة ما لظروف أحاطت بها، لذا تناولتها التشريعات المعاصرة صراحة في ظل الحرص على تحقيق الأمن، وحماية حقوق الأفراد وبعث الطمأنينة في المجتمع.

والقصد هنا، توافر الصفة الإجرامية في سلوك ما، إلا أن القانون لا يعاقب عليه لانعدام الإرادة وحرية الاختيار أو كليهما، ونختص منها في هذا المقال «الضرورة» باعتبارها إحدى حالات المشروعية الاستثنائية.

والضرورة هي ظرف خارجي أو حالة يجد فيها الإنسان نفسه مهدداً بخطر جسيم، ووضع يغلق عليه نطاق الاختيار، فلا يستطيع تجنبه إلا بارتكاب جريمة، ودون أن تكون لديه القدرة على تفادي ذلك بطريقة أخرى تحول دون التهديد الذي يحيق بالنفس والمال أو أحدهما.

مثال ذلك، أن يخرج شخص مهرولاً من مكان ما بسبب نشوب حريق، فيصطدم بآخر ويصيبه بكسور أو جروح، أو حالة صحية طارئة تجبر الطبيب على اتخاذ قرار مثل إسقاط الجنين لإنقاذ حياة الأم، أو إشراف سفينة شحن على الغرق فيضطر القبطان لاتخاذ قرار بإلقاء البضائع الموجودة عليها في المياه للمحافظة على توازنها، وغير ذلك من الحالات التي تفرضها الضرورة وتعد جرائم في ظروف أخرى.

ولحالة الضرورة شروط لابد من توافرها قانوناً لكي يعتد بها مانعاً من موانع المسؤولية القانونية التي شملتها المادة 65 من قانون الجرائم والعقوبات رقم 31 لسنة 2021 إذ تنص على أنه «لا يسأل جزائياً من ارتكب جريمة ألجأته إليها ضرورة لوقاية نفسه أو ماله أو نفس الغير أو ماله من خطر جسيم على وشك الوقوع ولم يكن لإرادته دخل في حلوله».

والنص هنا على ألا يكون لإرادة الفاعل دخل في خلق حالة الضرورة بمثابة ضمانة لعدم إساءة استخدام هذا الحق، فإذا كان الشخص هو الذي تسبب في الخطر عمداً، فلا يعد ذلك حالة ضرورة، ويساءل جنائياً، لأن الاضطرار يفترض المفاجأة، التي لا تتحقق إلا بعدم العلم المسبق بالخطر لأنها هي التي تؤثر في حرية الاختيار، فلا تترك لدى المضطر الوقت الكافي لتدبير أمره في سبيل الخلاص من الخطر الذي يداهمه.

ومما لا شك فيه أن حالات الضرورة متعددة ومتنوعة ومجالاتها واسعة بحسب الظروف والملابسات، لذا فإن إثبات وقوعها والقول بتوافر شروطها من عدمه هي اختصاص أصيل لمحكمة الموضوع تستخلصها من ظروف الدعوى وملابساتها ضمن حدود سلطتها التقديرية التي خولها لها القانون.

ختاماً حالة الضرورة هي حالة مرتبطة بوجود الإنسان نتيجةً طبيعية لغريزة البقاء لذا أخذت بها معظم التشريعات الجنائية حال ثبوت توافر شروطها بشكل قاطع ويقيني حتى لا تكون ملاذاً للمجرمين للإفلات من العقاب.

مستشار قانوني أول

تويتر