آراء

قاعدة مهمة عند التعاقد..

القانون ضرورة اجتماعية، غايته ضبط وتنظيم سلوك وعلاقات الأفراد في المجتمع، وتحديد مالهم من حقوق، وما عليهم من التزامات، وتحديد مراكزهم القانونية، لكن توجد مراكز أخرى يشغلها بعض الأفراد لا تستند في وجودها إلى القانون، بل تنشأ وفق مقتضيات الواقع، يمكن وصفها بـ«المراكز الفعلية التي تستند إلى الوضع الظاهر»، مثل الوارث الظاهر والمالك الظاهر والوكيل الظاهر.

بداية، يجب توضيح أن قاعدة «الوضع الظاهر» لا يتضمنها أي نص قانوني، إلا إنها مستقرة فقهاً وقضاءً، وتفرض العدالة تطبيقها لحماية الغير «حسن النية»، وقد طبقت محكمة التمييز بدبي هذه القاعدة، وكذلك محاكم أخرى، منها المحكمة العليا في فرنسا.

والأصل في العقود ــ بحسب القانون ــ عدم نفاذها إلا بين عاقديها، ولا يتم إلزام صاحب الحق بما يصدر عن غيره من تصرفات، إلا في حالة «الوضع الظاهر»، إذ تطبق هذه القاعدة متى توافرت موجباتها، وهي أن يتسبب صاحب الحق بخطئه، سلباً أو إيجاباً، في إظهار طرف ما بأنه يملك هذا الحق، ما يدفع الغير «حسن النية» إلى التعاقد معه.

ففي إحدى القضايا على سبيل المثال، باع شخص سيارة مملوكة لآخر بموجب توكيل منه، ونقل ملكيتها إلى المشتري، وتسلم ثمنها، متجاوزاً بهذا التصرف حدود الوكالة الممنوحة له من المالك الأصلي، ومرت سنوات عدة بعد إتمام البيع دون أن يسأل المالك الأصلي أو يطعن في صحة البيع، ثم اعترض لاحقاً وحدث نزاع قانوني، لكن ألزمته المحكمة بأداء ثمن السيارة للمشتري، معتبرة أن البائع «وكيل ظاهر»، وأن المشتري تعامل معه بحسن نية، في ظل عدم اعتراض المالك الأصلي طوال هذه السنوات.

ومن الأمثلة التوضيحية كذلك، أن يرث أشقاء عقاراً عن والدهم، ثم يتصرف فيه أحدهم بالإيجار في ظل حضور بقية الورثة أو ترددهم على المكان، ما رسخ لدى المستأجر يقيناً بأحقية ذاك الشقيق بتحرير العقد، وهنا تطبق قاعدة «الوضع الظاهر» حال طعن بقية الورثة لاحقاً على العقد.

ولكي يتم تطبيق قاعدة «الوضع الظاهر» لابد من توافر ركنين، أحدهما مادي، يتمثل في رسوخ المركز الفعلي لصاحب «الوضع الظاهر» بالقدر الذي يوهم الغير والكافة بأن له مركزاً قانونياً صحيحاً.

والثاني ركن معنوي، يتمثل في ضرورة توافر حسن النية من الطرف الآخر في العقد تجاه صاحب «الوضع الظاهر»، ويتعين للتأكد من توافر حسن النية أن تكون هناك قناعة لدى الجميع بصحة المركز الظاهر، سواء كان وكيلاً أم وارثاً أم مالكاً، وألا يكون تورطه في العقد ناتجاً عن سذاجة أو إهمال أو تقصير في استطلاع الحقيقة.

وبشكل عام، يجب على الجميع الحرص، قبل إبرام أي تعاقد، على التأكد من صفة الطرف الآخر، من خلال المستندات الدالة على مركزه القانوني، وسلطته على ما يتم التعاقد عليه.

مستشار قانوني أول

تويتر