آراء

خيانة الأمانة.. واتفاق على الزواج!

وقائع قضيتنا اليوم تدور حول شخص تقدم ببلاغ للنيابة يتهم امرأتين باختلاس مبلغ نقدي مملوك له بعد تسليمه لهُما على سبيل الوكالة ليؤسِسا عملاً تجارياً باسمهم جميعاً، وعقب افتتاحهما مشروعاً تجارياً فوجئ الشاكي باستبعاد اسمه من قائمة الملاك بعد اطلاعه على الرخصة التجارية، وعزا في دعواه عدم وجود عقد مكتوب بتفاصيل الاتفاق بينه والمتهمتين لوجود اتفاق شفهي بينه وإحدى المتهمتين على الزواج، الأمر الذي أدى حسب ادعائه لتحرجه من توثيق الاتفاق كتابةً، وعقب تصدي المحكمة لنظر الدعوى تشككت في صحة الاتهام المنسوب لخلو الأوراق من المستندات المثبتة لصحة ادعاء الشاكي فقَضت ببراءة المتهمتين من تهمة خيانة الأمانة المسندة لهما.

تثير القضية مسائل قانونية عدة جديرة بالتوضيح، أولى تلك المسائل أن إثبات جريمة خيانة الأمانة بحق المتهم يستلزم وجود عقد من عقود الأمانة فلا يصح إدانة متهم بجريمة خيانة الأمانة إلا إذا اقتنع القاضي بأنه تسلم المال بعقد من عقود الائتمان الواردة على سبيل الحصر في المادة 404 من قانون العقوبات، والتي تنص على أنه «يعاقب بالحبس أو بالغرامة كل من اختلس أو استعمل أو بدد مبالغ أو مستندات أو أي مال آخر منقول إضراراً بأصحاب الحق عليه متى كان قد سلم إليه على سبيل الوديعة أو الإجارة أو الرهن أو عارية الاستعمال أو الوكالة».

وثانية المسائل التي تثيرها القضية هي أن مستوى الإثبات في الدعاوى الجزائية يختلف عنه في الدعاوى المدنية، فبينما تعمل المحكمة المدنية على ترجيح الأدلة المقدمة من المدعى والمدعى عليه، إلا أن إدانة المتهم يتطلب اطمئنان المحكمة لثبوت ارتكابه للتهمة المنسوبة إليه فوق مستوى الشك، فإن وجد أي شك فإنه يفسر لصالح المتهم، والمبدأ الراسخ في الدعاوى الجنائية أن الحكم بالإدانة يجب أن يبنى على الجزم واليقين لا على الشك أو الظن أو التخمين.

وأخيراً فإن الدعوى الجزائية ترتبط بها في الغالب دعوى مدنية يطالب فيها المدعي بالحق المدني بتعويضه من قبل المتهم حال إدانته من قبل المحكمة الجزائية، وغالباً ما تحيل المحكمة الجزائية بعد الحكم بثبوت إدانة المتهم الدعوى المدنية المرتبطة بها للمحكمة المدنية لنظرها، وهناك نص قانوني في المعاملات المدنية والتجارية يخول للمدعي أن يطلب الاثبات بشهادة الشهود فيما كان يجب إثباته بالكتابة في حالات منها وجود مانع مادي أو أدبي يحول دون الحصول على دليل كتابي، وتقدير قيام أو انتفاء المانع الأدبي من الحصول على دليل كتابي في الأحوال التي يتطلب فيها القانون هذا الدليل تستقل محكمة الموضوع بعد ممارستها للسلطة التقديرية الممنوحة لها.

ختاماً فإننا نهمس في أذن الجميع أن الأصلح والأجدر لكل الأطراف توثيق أي تعامل مالي بينهم كتابةً ليَسهل اثباته قانوناً أمام المحكمة، وهو ما يوافق التوجيه الرباني بضرورة توثيق الدين حتى لا يتعذر إثباته إن كان شفاهةً ونشب ثمة خلاف بين طرفيه، وعندها لا يجدي الندم.

محامٍ

تويتر