آراء

أين نحن من «الرعاية اللاحقة»؟ (1)

في أكتوبر من عام 2018، خرج «محمد»، البالغ من العمر وقتها 24 سنة، من السجن للمرة الثانية خلال العام ذاته، بعد قضاء عقوبة في قضية حيازة وتعاطي مواد مخدرة، ومنذ أن كان عمره 21 عاماً، بدأت زياراته تتكرر على السجون، وبالتهمة نفسها. وكالعادة راود أفراد أسرته شعور بعدم الارتياح لخروجه من السجن، حيث كان يطاردهم شبح عودته المتكررة للتعاطي والحبس، ويثقل أكتافهم التفكير بسمعة العائلة التي تشوهت بسبب «محمد» ومشكلاته وبطالته المقرونة بتعاطيه، وكانت والدته تدعو الله أن يبقى فترة أطول في السجن كي لا تفجع بخبر وفاته بجرعة زائدة.

أما «محمد» فكان يشعر بالغربة وهو بين أفراد أسرته، وينتابه شعور بأنه عالة عليها، وانعكاساً لشعوره كانت أسرته ترى أنه ضعيف الشخصية والإرادة، وفاشل بمعنى الكلمة. وكان يشعر على الدوام بأنه منبوذ من الجميع، حتى «عيال الفريج» الذي ينتمي إليه كانوا يستنكرون وجوده بينهم، ولو كان لأداء الفروض في المسجد، فهو بالنسبة لهم «خريج سجون»، وليظهروا له رفضهم لوجوده بينهم، أطلق عليه الكثيرون مسمى «المخدرجي» و«المجرم». وها هو «محمد» بعد مرور شهرين فقط من إطلاق قيوده يرجع إلى التعاطي من جديد، وكيف لا؟! فـ«الشلة» التي عرّفته على المخدرات وكل الطقوس المتعلقة بتعاطيها هي ذاتها التي تحتضنه وتحتويه على الدوام، وترحب به بعد كل خروج من السجن، بالمخدرات. وقبل أن يرحل عام 2018، وكما كان متوقعاً، تم القبض على «محمد» للمرة الثالثة، ولكن هذه المرة بتهمة مختلفة، وهي القيادة تحت تأثير مادة مخدرة، والقتل غير العمد.

لماذا يا ترى يعود «محمد» للتعاطي مرة تلو الأخرى؟ وهل سبق أن تلقى العلاج وخدمات إعادة التأهيل؟ وماذا عن أسرته، لِم لَم تستطع احتواءه ومساندته في رحلة التعافي؟ وهل يا ترى تم تقديم الدعم النفسي والمعرفي اللازم لهذه الأسرة من قبل مؤسسات الدولة المعنية، لتمكينها من فهم طبيعة الإدمان ومساعدة «محمد»؟ وماذا عن المجتمع؟ هل من الصعب على أفراده تقبل «محمد» وغيرهم من مرضى الإدمان؟ وهل من الصعب إيجاد فرص لهم كوظيفة تكون حافزاً لهم على التعافي؟ ومن بين هذه الأسئلة: أين «محمد» من ما يطلق عليه «الرعاية اللاحقة»؟!

أسئلة كثيرة تدور في الأذهان حين نتابع حالة «محمد» بكثير من التأمل والتدقيق، منها كذلك: هل هناك أمل في علاجه؟ وهل يعد مجرماً أم مريضاً؟ ولماذا لا تتغير هذه الصورة النمطية عن متعاطي المخدرات بين أفراد المجتمع؟ كل هذه الأسئلة وغيرها سنجيب عنها في الحلقة الثانية من هذا المقال.

• «محمد» كان يشعر بالغربة بين أسرته وينتابه شعور بأنه عالة عليها.

alhayyas@gmail.com

تويتر