آراء

العقوبة والضابط الأخلاقي في المجتمع

علي عبدالله الحمادي

بداية تُعرّف القوانين الوضعية بأنها قواعد تضعها الجماعة لتنظيم شؤون حياتها وحاجاتها، ولأن الفقه الإسلامي جعل كل اعتداء على حقوق الإنسان جريمة، وشرع لها عقوبة، لردع الجناة، وزجر غيرهم لعدم إتيانها.

إذاً، فالعقوبة جزاء وعلاج يفرض باسم المجتمع على شخص مسؤول عن فعل ارتكبه بناء على حكم قضائي من محكمة مختصة، والجزاء بمعنى الحرمان، ويمكن أن يكون من حق الحياة، كعقوبة الإعدام، أو الحرمان من الحرية، كالسجن مثلاً، أو الحرمان من بعض الحقوق أو الممارسات كحرمانه من ماله، كما في حالة الشخص السفيه الذي لا يحسن المحافظة على ماله.

العقوبة كما أسلفنا تطبق على جريمة يحددها القانون بنص، من مبدأ «لا عقوبة ولا جريمة إلا بنص»، والجريمة كما عرفها القانون هي إتيان فعل أو امتناع عن فعل يعاقب عليه القانون.

ولأن وجود الأمن والأمان من ضرورات سيادة القانون، وهما من مرتكزات الدول المتقدمة في تقدمها وازدهارها وتطورها، وعكسه يؤدي إلى انتشار الجريمة، ويؤدي إلى مجتمع خال من القيم، يعمه الفساد والهلاك. وفي الآية الكريمة: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ﴾. صدق الله العظيم.

ويقال أيضاً «من أمن العقوبة أساء الأدب».

فكثيراً ما نجد أن السبب الأول وراء كثير من السلوكات السلبية، هو عدم وجود أو وضوح الضابط الأخلاقي، والدافع للالتزام، فالإنسان السليم يحسب لنفسه ألف حساب، ويراجع نفسه طوال الوقت، فيما إذا كان سلوكه منضبطاً أم لا، وقد يكون خوفه من التعرض للمساءلة مثلاً، فنجد الطالب يحرص على الحضور مبكراً إلى المدرسة، خوفاً من المعلم أو من العقوبة، وأقلّها استدعاء ولي الأمر، وهنا يكون الضابط أو الرادع.

ولأن الشخص كلما ازداد وعيه لا يمكن أن يتعدى - بشكل عام - على الممتلكات العامة، أو يتعمّد مخالفة القوانين، حتى لو في قطف زهرة في حديقة عامة، لأنه يعلم أنها جزء من ممتلكات المجتمع، والمحافظة عليها واجب أخلاقي.

إذا التربية والتنشئة الاجتماعية السليمة، التي تتمثل من خلال الأسرة والمدرسة والمسجد، ومن وسائل الإعلام المختلفة، من شأنها أن تغرس القيم الصحيحة في المجتمع، حتى يصبح الالتزام والانضباط ثقافة عامة بين جميع أفراد المجتمع، فتحمي الجميع من الوقوع في الجريمة والمساءلة.

وتعد العقوبة كذلك أداة إصلاح للفرد قبل المجتمع، وعلى العاقل التوبة النصوح منها، وعليه أن يعلم أن الله أراد له الخير، وأراد له أن يرجع إلى صوابه ورشده، حتى لا ينغمس في جريمة أكبر قد تؤدي إلى هلاكه أو هلاك غيره.

قال الله تعالى ﴿وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَّحِيماً﴾. (النحل 110). صدق الله العظيم

المحامي والمستشار

تويتر