آراء

أريد استرجاع حياتي!

ليلى الهياس نهائي

«نود استرجاع حياتنا، ولكن هناك عقبات متراكمة بفعل غياب منهجية الرعاية اللاحقة والتشريعات التي تدعم أمثالنا في عدم العودة مرة أخرى لشبح التعاطي. ومازال صدى المقولة المشهورة التي يرددها نزلاء السجن يرن في أذني: (صدقني بترجع للسجن جريب)، وكنت أستغرب في بادئ الأمر هذا التأكيد من قبلهم على عودتي للسجن، ولكن بعد انتهاء مدة عقوبتي أدركت مقصد رفقاء السجن، فمقومات العودة تجر المدمن خلف المخدرات ومشكلاتها. فعندما تكون في السجن تتعرف إلى أشخاص يجعلون فرصة عودتك محققة، ليس فقط بتهمة التعاطي، بل بتهمة التجارة أو الترويج، ليستغلوك ويهدموا مجتمعك، لذلك كانت المخدرات مثل الحريق الذي يلتهم كل شيء، فلتحذروا منه!».

هكذا افتتح الشاب الجامعي الإماراتي (س.أ)، البالغ من العمر 31 عاماً، رسالته، التي وصلتني عبر البريد الإلكتروني، بعد نشر قصة محمد مع المخدرات، وعودته المتكررة للتعاطي، وأحببت أن استعرض تجربته التي تعكس واقعه وواقع محمد وغيرهما ممن ينظرون إلى الرعاية اللاحقة كأحد أهم محطات التعافي المفقودة.

يقول (س.أ) في رسالته: «خسرت كل شيء، وعلى الرغم من أنني تركت التعاطي فترة، فوجئت بأن المجتمع بأكمله تركني، فأنا في أعينهم (مدمن مخدرات) و(مجرم) و(خريج سجون).. أنا الآن وحيد، بعد أن خسرت وظيفتي، حيث إنني فوجئت بإنهاء خدماتي بعد انقضاء عقوبتي وخروجي من السجن.. حتى زوجتي قررت أخذ أبنائي الأربعة والذهاب إلى بيت أهلها، ولا أستطيع لومها أبداً على ذلك، وكيف لي أن ألومها! فبسبب فقداني وظيفتي، وهرباً من دفعات الإيجار، اضطررت لترك المسكن المستأجر الذي كان يجمعنا، عائداً بهم إلى غرفة واحدة في بيت أهلي».

وفي ختام رسالته قال «س.أ»: «كل ما نحتاجه هو الدعم من المجتمع، وفرص وظيفية مناسبة لا أكثر، كي نعود من جديد إلى الحياة».

وهنا نتساءل حول نتائج الأبحاث والدراسات بهذا الخصوص! فهل بالفعل تستطيع الرعاية اللاحقة، متمثلة على سبيل المثال في المتابعة الصحية المستمرة أو ما يسمى «الرعاية اللصيقة»، وتأمين فرص وظيفية للمدمنين، التقليل من فرص انتكاسهم؟

من خلال مراجعتنا للدراسات المنشورة، أثبتت نتائج أحد الأبحاث، التي تم من خلالها متابعة 100 مريض مدمن لمدة 12 عاماً، أن توفر رعاية لاحقة متضمنة في الدعم الأسري والتوظيف المستقر، قللت بشكل ملحوظ من نسب الانتكاس بين عينة الدراسة على مدى طويل.

كما أوضحت الدراسة أن مرضى الإدمان، الذين قاموا باستبدال علاقاتهم السابقة بعلاقات جديدة داعمة للتعافي، وتلقوا المتابعة الصحية المناسبة والتدخلات المبكرة، كانت نسب انتكاسهم قليلة، مقارنة بالذين ظلوا في دائرة علاقاتهم القديمة نفسها، ولم يتلقوا المتابعة الصحية المستمرة. كما تمت الإشارة أيضاً، من خلال بحث آخر تمت فيه مراجعة ما يقارب 30 دراسة علمية منشورة بين 1990 و2010 بهدف اكتشاف تأثير البطالة الوظيفية على نسب الانتكاس على أن خطر الانتكاس أكبر بكثير بين المدمنين، الذين لم يحصلوا على فرص وظيفية مقارنة بالذين تم توفير الوظائف المناسبة لهم.

بعد قراءة هذا المقال، والتعرف إلى البعض من تجارب المدمنين الراغبين في التعافي، هل تعتقدون أن هناك حاجة ملحة لتفعيل منظومة الرعاية اللاحقة بكل عناصرها في الدولة؟ وهل نحن بحاجة إلى الاستثمار في إعادة دمج المدمنين المتعافين في المجتمع بطريقة منهجية تتناسب مع طبيعة المرض للتقليل من انتكاسهم؟

alhayyas@gmail.com

تويتر