«الاتحادية العليا»: الشرع كفل حق رؤية المحضون للأبوين

عناد مطلّقات ورغبتهن فـي الانتقام يحرمان أبناءهن حنان الآباء

أكّد آباء مطلّقون وجود معوقات قانونية وأسرية تحول دون تنفيذ أحكام قضائية تقضي بمبيت أبنائهم معهم، ما يحد من حقوقهم الأبوية، مشيرين إلى أن المطلقة غالباً ما تحرّض من في حضانتها على أبيه من خلال ترسيخ صورة ذهنية سلبية عنه، ما جعل كثيراً من الأطفال ينفرون من آبائهم ويرفضون الجلوس أو المبيت معهم بعد الطلاق، ما ترتبت عليه آثار سلبية في نفوسهم.

وأوضحوا أن عناد مطلقات ورغبتهن في الانتقام يحرمان الأبناء حنان ورعاية الآباء، مطالبين بتنفيذ القوة الجبرية لتطبيق أحكام قضائية صدرت لصالح مبيت أبنائهم معهم.

وأكدت المحكمة الاتحادية العليا في حيثيات بعض دعاوى الرؤية أن للأب الحق الشرعي في رؤية المحضون وهو في يد حاضنته في المكان والزمان اللذين يحددهما القاضي عند عدم الاتفاق بين الأب والحاضنة.

من جانبها، أكدت الخبيرة والمستشارة الأسرية، وداد لوتاه، أن التشريعات الأسرية المتعلقة بالرؤية كافية، وأن استخدام القوة الجبرية في مسألة مبيت الأطفال عنوة مع غير الحاضن، غير مجدٍ، ويجب أن يتم برضا ورغبة المحضون نفسه وتعميق شعوره بالانتماء لأبويه.

دعاوى الرؤية

وتفصيلاً، نظرت محاكم الدولة، العام الماضي، عشرات من دعاوى الرؤية التي أقامها مطلقون واجهوا مشكلات في رؤية أبنائهم، من أبرزها دعوى أقامها أب طلب فيها تمكينه من بناء ملحق في حوش البيت الذي تسكن فيه مطلقته بعد إحضار موافقة من الجهات المختصة، على أن يفصل بين سكن المدعي عليها وبين الملحق بجدار، ويكون لكلا البيت والملحق مدخل منفصل عن الآخر، وذلك لتمكينه من أن يكون بجوار أطفاله الذين في حضانة أمهم.

وقال في دعواه إنه طلّق زوجته بعد أنجب منها أثناء الحياة الزوجية خمسة أولاد، وأنها وأولادها يقيمون في البيت الذي يملكه، مضيفاً أنه اضطر إلى إقامة هذه الدعوى للتمكن من ممارسة دوره تجاه أبنائه.

وأقام (أبوخليفة) دعوى ضد مطلقته لتمكينه من رؤية ابنه، وقضت المحكمة بتمكينه من رؤية الصغير مرة واحدة أسبوعياً، وذلك يوم الجمعة من كل أسبوع من الساعة الرابعة مساء إلى الساعة التاسعة مساء في مركز الأسرة، وله الحق في اصطحاب الصغير خلال فترة الرؤية خارج المركز، على أن تقوم المدعى عليها بإحضار الصغير عند بداية الرؤية واستلامه نهاية الرؤية، ثم طعن الأب على هذا الحكم، مطالباً بزيادة عدد ساعات الرؤية، ورفضت المحكمة الطعن، معتبرة أن مدة الرؤية المحكوم بها مناسبة بالنظر إلى عمر الطفل أربع سنوات، إذ إنه لا يستطيع الاستغناء عن والدته فترة طويلة.

 

تنفيذ الأحكام

وأبلغ آباء مطلّقون آخرون «الإمارات اليوم» أنهم يواجهون مشكلات في تنفيذ أحكام صدرت لصالحهم تمكنهم من اصطحاب أبنائهم للمبيت معهم، لافتين إلى أن مطلقاتهم تحول دون تمكّنهم من اصطحاب أبنائهم خارج أماكن الرؤية المخصصة أو المبيت بصحبتهم، إذ يرفض الأبناء المبيت معهم. وقال (أبوحمد) إنه أقام دعوى ضد مطلقته لتمكينه من رؤية أبنائه الأربعة الذين تبلغ أعمارهم (13، 10، 8، 7 سنوات)، والمبيت معه مرتين في الشهر وخلال الإجازات المدرسية، مشيراً إلى أنه يقطع أسبوعياً مسافة طويلة من مدينة العين إلى الشارقة لرؤية أبنائه بضع دقائق فقط.

ورأى أن مطلقته رسّخت في عقول صغاره صورة ذهنية سلبية عنه، جعلتهم ينفرون من الجلوس معه أثناء الزيارة، ويرفضون مرافقته إلى المبيت في منزله والتعرف إلى إخوانهم الآخرين، مضيفاً أنه على الرغم من حصوله على أحكام قضائية بتمكينه من رؤية أبنائه، واستصحابهم معه للمبيت من الساعة الرابعة عصر يوم الخميس حتى الساعة السابعة مساء الجمعة، مرتين شهرياً، مرة في الأسبوع الأول من الشهر ومرة في الأسبوع الثالث، إلا أنه لم يتمكن من تنفيذ الحكم حتى الآن بسبب رفض الأبناء المجيء معه.

ولفت إلى أن مطلقته اعترضت على حكم مبيت المحضونين معه، ورفضت المحكمة استئنافها مبينة في حيثيات الحكم أن أعمار المحضونين تمكّنهم من الاستغناء عن والدتهم خلال فترة بقائهم مع والدهم وإخوانهم الآخرين، وأن من مصلحة المحضونين التعرف الى إخوانهم وبقية أقاربهم في المدينة التي يقطن فيها الأب.

القوة الجبرية

ورأت المحكمة أيضاً أن في منع الأب من استصحاب أولاده الكبار المستغنين عن ملازمة حاضنتهم والمبيت عنده بعض الليالي إلحاق ضرر به لتعلّقه بهم وشوقه إليهم، ما ينتج عنه النفرة بين الأب وولده المؤدية إلى قطيعة الرحم المنهي عنها شرعاً، ولما في ذلك من مصلحة في توجيه والدهم وإرشاده لهم.

من جهته، طالب (أبوحمدان) الذي واجهته المشكلة ذاتها، الجهات المعنية باستخدام القوة الجبرية في تنفيذ الأحكام المتعلقة بالرؤية ومبيت الأبناء مع الأب، لما في ذلك من مصلحة أسرية واجتماعية، مقترحاً ربط النفقة الشهرية التي يتم صرفها للحاضنة بتنفيذ هذا الحكم.

ولفت إلى أنه يقطع أسبوعياً مسافة طويلة من الفجيرة حتى الشارقة، ليتمكن من رؤية أبنائه، ولا يستطيع اصطحابهم للمبيت معه، على الرغم من حصوله على أحكام قضائية بذلك، مشيراً إلى أن مطلقته تمارس دوراً سلبياً يجعل أبناءه يرفضون المجيء معه.

 

فقهاء المالكية

إلى ذلك، أكدت المحكمة الاتحادية العليا في حيثيات بعض دعاوى الرؤية أنه من المقرر شرعاً أن للأب الحق في رؤية المحضون وهو في يد حاضنته في المكان والزمان اللذين يحددهما القاضي عند عدم الاتفاق بين الأب والحاضنة، غير أن فقهاء المالكية وضعوا قيوداً على ذلك الحق هو التزام الأب بإعادة المحضون إلى أمه ليبيت بقربها.

وأفادت بأن رؤية الصغير حق ثابت لكل من والديه، لأن الرؤية من باب صلة الرحم التي أمر الله بها أن توصل، وفي حرمان أحدهما من ذلك ضرر منهي عنه، وأن للأبوين تنظيم الرؤية بالطريقة التي يريانها متفقة مع ظروفهما ومصلحة الصغير، أما إذا اختلفا في هذا التنظيم أو امتنع من بيده الصغير من تمكين من له حق الرؤية من الأبوين فإن القاضي هو الذي يتولى تنظيمها عملاً بالمادة 154 من قانون الأحوال الشخصية، وتمكين من له حق فيها بناءً على طلبه من رؤية الصغير، وأن تنظيم وقت الرؤية ومكانها عند اختلاف الأبوين عليها هو ما يدخل في السلطة التقديرية للمحكمة.

 

مصلحة المحضون

من جانبها، رأت الخبيرة والمستشارة الأسرية، وداد لوتاه، أن التشريعات القانونية المتعلقة بالحضانة أو تنظيم رؤية الأطفال المحضونين، راعت تحقيق مصلحة المحضون، وتوفير الظروف المعيشية والاجتماعية والنفسية التي تضمن تنشئته بشكل جيد ليصبح فرداً صالحاً، من دون مصادرة حق غير الحاضن، سواء كان الأب أو الأم، في التواصل مع أبنائه، وممارسة دوره الأسري تجاههم.

ولفتت إلى أن المشكلة الرئيسة تكمن في طرفي العلاقة الزوجية، إذ يجتهد كل منهما في كيفية الانتقام من الطرف الآخر وكأنه دخل في حرب بعد الطلاق، من دون الأخذ في الاعتبار التداعيات السلبية لتصرفاتهما مستقبلاً على أبنائهم الذين يقعون ضحايا لهذه التصرفات غير المسؤولة.

وأشارت لوتاه إلى أن كثيراً من القضايا المتعلقة بالرؤية التي ينظرها قسم التوجيه الأسري، تكون مفتعلة لأسباب تافهة، من بينها على سبيل المثال، فتح حاضنات بلاغات في الشرطة والنيابة ضد آباء أبنائهن، لتأخرهم في تسليم الأطفال لمدة ساعة عن الموعد المحدد، وأخريات يرفضن تسليم أطفالهن في مقر بيوتهن، ويجبرن الآباء على التوجه إلى مراكز الأسرة التي تتطلب قطع مسافة طويلة شاقة للوصول إليها، وغيرها من المشكلات التي يفتعلها كل من طرفي النزاع في سبيل إنهاك الآخر والانتقام منه، من دون إدراك تأثير هذه الأمور في أطفالهما.

القوة مرفوضة

رفضت الخبيرة والمستشارة الأسرية، وداد لوتاه، تطبيق القوة الجبرية في مسألة مبيت الأطفال عنوة مع غير الحاضن، إذ يجب أن يتم ذلك من خلال رضا ورغبة المحضون نفسه وشعوره بالانتماء لأبويه، مبينة أن هذا الأمر منوط بالحاضنات من النساء أو الرجال الحاضنين، على حد سواء، بأن يشجع كل منهما الأبناء على التواصل مع الطرف الآخر في العلاقة، من أجل تحقيق مصلحة الأبناء.

ولفتت إلى أن رفض بعض الأبناء الجلوس أو المبيت مع آبائهم، بتحريض من أمهاتهم أو من الطرف الذي يملك الحضانة، تمثل مشكلة اجتماعية وأسرية في المقام الأول، مؤكدة أهمية تعزيز وجود خبراء ومستشارين أسريين في مراكز الأسرة والمحاكم، بحيث يعملون على التقريب بين المطلّقين والجلوس مع الأطفال أنفسهم، في سبيل حل المشكلات المتعلقة بالرؤية بصورة إيجابية وبالطرق الودية، قبل تحويلها الى المحاكم.

وتشير لوتاه إلى إحدى الحالات التي وردت إلى التوجيه الأسري، أخيراً، إذ شكا أب مطلّق رفض ابنه الكبير زيارته أو الجلوس معه، وتم التواصل مع الأم التي وعدت بالحضور لحل المشكلة، لكننا فوجئنا بقيامها برفع دعوى قضائية مستعجلة ضد الأب، تطلب منه تسليم جوازات سفر الأطفال في غضون شهر.

تويتر