اسـتمرار سـيطرة وكـلاء على ســوق الغذاء في الدولة

٪30 انخفاضاً متوقعاً في أسعار السلع التـي يسـيطر عـليها الوكـلاء في حال التمكن من استيرادها. تصوير: أشوك فيرما

شكا مسؤولو جمعيات تعاونية ومنافذ بيع في الدولة من استمرار عمليات الاحتكار في استيراد المواد الغذائية ذات العلامات المميزة والكبرى من الخارج.

وقالوا إن جميع محاولاتهم للاستيراد المباشر للسلع الأساسية، وخصوصاً السلع الغذائية، التي تستحوذ عليها وكالات تجارية معينة، فشلت تماماً على الرغم من الغاء وزارة الاقتصاد قانون الوكالات التجارية على المواد الغذائية والمشروبات منذ سنوات.

 
أسعار عالمية

قال الوكيل التجاري لإحدى السلع الغذائية في الدولة، رفض ذكر اسمه، إن «من حق أي جهة أن تستورد ما ترغبه من السلع الغذائية من خارج الدولة بعد إلغاء احتكار الوكالات التجارية».

وأوضح أن «الأسعار التي تباع بها السلع هي أسعار عالمية مطبقة في مختلف دول العالم، وفقاً لقيمة كل عملة، وتخضع للعرض والطلب، كما تدخل فيها تكاليف كبيرة غير منظورة، بما فيها تكاليف التخزين والتوزيع والإعلان، وغيرها»، لافتاً إلى أنه «حتى لو استوردت جهات أخرى فلن تستطيع خفض السعر كما تدعي».


وأكد مسؤولو هذه المنافذ أن الوكلاء لايزالون يسيطرون على سوق استيراد المواد الغذائية الأساسية ويتحكمون في أسعارها، لافتين إلى إمكانية تحقيق انخفاض في أسعار السلع التي يسيطر عليها الوكلاء بنسبة تصل إلى 30٪ في حالة كسر الاحتكار فعلياً.

ودعوا «الاقتصاد» إلى التدخل وممارسة الضغوط على الشركات الأم للسماح للتعاونيات داخل الدولة بالاستيراد المباشر.

وعلمت «الإمارات اليوم» من مصدر اقتصادي مسؤول أن هناك من 30 إلى 50 من كبار الوكلاء في الدولة يسيطرون على سوق المواد الغذائية، وأن هناك نحو 200 وكالة تجارية في مجال السلع الغذائية والاستهلاكية الأساسية، وأن أهم السلع الأساسية التي يسيطر الوكلاء على استيرادها هي الزيوت بكل أنواعها، الأرز، الحليب المجفف، حليب الأطفال، الصابون، المنظفات، المشروبات المركزة، ومستحضرات العناية بالبشرة والجسم، وحفاضات الأطفال.

من ناحيته، أكد المدير العام لوزارة الاقتصاد محمد بن عبدالعزيز الشحي، أن «الوزارة أوقفت تسجيل جميع الوكالات التجارية المتعلقة بالمواد الغذائية والمشروبات في الدولة، كما شطبت جميع الوكالات المتعلقة بهذين النشاطين»، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن الوزارة لا تدرس في الوقت الراهن تعديل قوانين الوكالات التجارية المتخصصة في بقية السلع في الدولة.

ودعا التعاونيات ومنافذ البيع في الدولة للتعاون والقيام بعمليات استيراد جماعي لهذه المنتجات حتى تحصل عليها من المصدر بأسعار أفضل وتبيعها للجمهور بسعر أرخص، لافتاً إلى أن السوق حرة، ولا يمكن إجبار شركات العلامات التجارية على التصدير بالقوة، كما أن السلع البديلة التي تباع في الأسواق تنخفض أسعارها بنسب تصل إلى 30٪ مقارنة بتلك العلامات التجارية العالمية.

وكانت وزارة الاقتصاد شطبت خلال عام 2006 الوكالات التجارية في مجال المواد الغذائية، تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء بوصول المواد الغذائية إلى البلاد من دون قيد أو شرط، وتشمل تلك المواد الحليب بأنواعه، الخضراوات المجمدة والمعلبة، أغذية أطفال، الزيوت، الأرز والسكر، الطحين، الدجاج والأسماك واللحوم ومنتجاتها، الشاي والبن، الأجبان، والمعجنات.

الاحتكار قائم

وتفصيلاً، قال نائب المدير العام لجمعية أبوظبي التعاونية، فيصل العرشي إن «الجمعية فشلت مرات عدة في استيراد العلامات التجارية المميزة من الخارج، ما يعني أن إلغاء وزارة الاقتصاد لقانون الوكالات التجارية كأن لم يكن، حيث إنه من المستحيل أن تخترق أي جهة الحظر وتقوم بالاستيراد من الخارج مباشرة، لافتاً إلى أن 20٪ من العلامات التجارية المميزة تحتكر 80٪ من المبيعات الخاصة بالسلع الغذائية المتداولة في أسواق الدولة.

وأضاف «حاولنا منذ أيام استيراد الصابون والمنظفات التي يوزعها وكيل كبير في الدولة من شرق آسيا، والنظام المتبع هناك أن السلطات الحكومية تشترط ختم أوراق الاستيراد بعد موافقة المصنع على الاستيراد، وحاولنا بكل السبل مع المصنع إلا أنه رفض، وقال إنه لا يمكن الاستيراد إلا من خلال وكيله المعتمد».

وأشار إلى أن «هذه الوكالات تفرض السعر الذي تحدده في الأسواق، وهو ما يضر بالمستهلكين الذين يضطرون إلى الشراء بأسعار مرتفعة».

وطالب العرشي وزارة الاقتصاد بالتدخل كجهة مسؤولة عن حماية التعاونيات، ومخاطبة الشركات الكبرى بالاسم ومطالبتها بفتح باب التصدير وإلا سيتم منع منتجاتها من دخول الدولة، مبيناً أنه في حال الاستيراد المباشر سنتمكن من خفض أسعار هذه السلع بنسب تصل إلى 30٪، لأن الشركات الكبرى تحمل قيمة الحملات الإعلانية الضخمة التي تنفذها على سعر السلعة.

استيراد نظري

وقال المدير العام لإحدى منافذ البيع الكبرى في الدولة، فضل عدم ذكر اسمه، إن «القوانين المعمول بها في الدولة تسمح نظرياً فقط باستيراد ما نريده من الخارج، لكن الواقع يؤكد أن الشركة المنتجة لا تسمح لأي جهة بالاستيراد إلا لوكيلها المعتمد، لأن مصلحتها في أن تصدّر كميات كبيرة دفعة واحدة لا أن تصدّر لجهات متفرقة، لأن ذلك قد يوجد سعراً تنافسياً يضر بمصالحها، كون المنافسة تعمل على خفض الأسعار في السوق، ويحرمها من رفع الأسعار في مواسم معينة بالنسب التي ترغب فيها.

من جهته، قال المدير العام لجمعية الإمارات التعاونية، فريد الشمندي «على الرغم من صدور قرار من وزارة الاقتصاد منذ نحو ثلاث سنوات بالسماح للتعاونيات أن تتعدى الوكالات التجارية وتستورد من المصدر مباشرة، إلا أن كل محاولات الاستيراد باءت بالفشل، حيث إن المصدر الرئيس أو الشركة الأم تكون موقعة على اتفاقية حصرية مع وكيل معين لتوزيع السلع في أسواق محددة عبر ذلك الوكيل، ولا تسمح باستيراد السلع عن طريق غيره، وأقصى شيء تسمح به الشركة الأم هو تعبئة الصنف نفسه تحت اسم وعلامة تجارية مختلفة، مثلما يحدث مع «حليب نيدو» الذي يعبأ تحت مسمى «التعاون» بالنسبة للتعاونيات، إلا أن هذا الأمر لا يمكن تكراره في عدد كبير من السلع، كما أن الطعم مختلف بالرغم من الجودة العالية للمنتج.

ودعا الشمندي المستهلكين لعدم شراء السلع التابعة للعلامات التجارية المميزة المرتفعة الثمن، والتركيز فقط على شراء المنتجات الشبيهة بمنتجات تلك العلامات، مثل منتجات «التعاون» التي تباع بأسعار تنخفض بنسبة تراوح بين 20 و30٪ وتحمل الجودة نفسها، لافتاً إلى أن بعض الجمعيات تعبأ بعض أنواع الأرز والسكر وورق التواليت ـ على سبيل المثال ـ بأسماء هذه الجمعيات.

بديل جيد

من جانبه، قال خبير شؤون حماية المستهلك، الدكتور جمال السعيدي إن «احتكار الوكالات التجارية تم إلغاؤه بالفعل بمقتضى القانون الذي أصدرته وزارة الاقتصاد، والدليل على ذلك أن المنافذ لم تعد تطلب ـ كما كان يحدث في السابق ـ مستندات عبارة عن خطاب رسمي من الوكيل يسمح فيها بدخول البضاعة من دون إذن الوكيل».

وأضاف أن «سلطات الدولة لم تعد لها علاقة بالأمر بعد إلغاء القانون، وإنما الأمر يتطلب التعاون بين منافذ البيع لتصنيع سلع بديلة بجودة السلع الأصلية، لأن الإمارات تنتهج سياسة الاقتصاد الحر».

ويرى خبير شؤون حماية المستهلك، حسن الكثيري، أن «الشركات الكبرى خارج الدولة ترفض التعامل مع منافذ بيع داخل الدولة، لأن الوكلاء يسيطرون على السوق بعقود ملزمة طويلة الأجل تترتب عليها التزامات محددة، خصوصاً بالأسعار والحصص السوقية».

ودعا الكثيري المستهلكين إلى تنمية الوعي بضرورة كسر الاحتكار بالاستغناء عن سلع العلامات المميزة واللجوء للسلع البديلة ذات الجودة نفسها.

وقال «قد تتوافر سلعة بديلة لاخرى مميزة بسعر مخفّض، لكن ليست لها مراكز خدمة لمتابعتها، ما يظهر الحاجة إلى شراكة قوية وتشريعات تضمن حقوق المستهلك».

شطب الوكالات

بدوره، أكد المدير العام لوزارة الاقتصاد، محمد بن عبدالعزيز الشحي، أن «الوزارة تشجع التعاونيات ومنافذ البيع المختلفة على الاستيراد المباشر من دول المنشأ، كما تشجع على عمليات الشراء الجماعي من أجل الحصول على أسعار مناسبة»، مبيناً ضرورة توعية المستهلك في الوقت ذاته بعدم الاعتياد على المنتجات التي تندرج تحت العلامات التجارية المميزة وتجربة منتجات بديلة لهذه العلامات.

ولفت إلى أنه «في حالة إقدام الجمعيات التعاونية على التنسيق معاً وإبرام صفقات جماعية لشراء المواد الغذائية، ستستطيع الحصول على المنتج بأسعار أفضل، وبالتالي طرحه أمام المستهلكين بأسعار جيدة أيضا».

وأضاف أن «بعض الشركات الأم حذفت دور الوسيط وأصبحت تبيع مباشرة بنفسها في الدولة أو عن طريق الاتفاق مع موزعين، وليس عن طريق وكلاء».

وبين أن «أسعار السلع التي تباع من دون علامة تجارية مميزة تقل بنسب تصل إلى 30٪ عن سعر العلامات المميزة»، لافتاً إلى أن «السوق مفتوحة، وللمستهلك الحق في الاختيار، وهو ما يضمنه قانون حماية المستهلك، حيث توجد أمامه خيارات متعددة، وليس صنف واحد فقط».

وأكد الشحي أنه «بإمكان أي منفذ بيع حالياً إدخال أي كميات من المواد الغذائية من أي منفذ جمركي في الدولة، من دون أن تطلب الجمارك موافقة الوكيل على ذلك، وهو الأمر الذي يؤكد أن الغاء الوزارة الوكالات التجارية في المواد الغذائية أمر واقعي ملموس».

وقال إن «الدولة تنتهج سياسة الاقتصاد المفتوح ولا يمكنها إجبار أي شركة على التصدير لأسواق الدولة»، موضحاً أن «الوزارة لا تدرس حالياً تعديل قانون الوكالات التجارية بالنسبة لبقية السلع في الأسواق».
تويتر