إغواء طويل الأجل

باسل رفايعة

 

قيل للشاعر المصري أحمد فؤاد نجم: ماذا ستفعل إذا وجدت نفسك تملك فجأة مليون جنيه، فأجاب بأنه سيشتري فولاً بمبلغ 100 جنيه مرة واحدة، ومن دون تردد، كما يليق بأي مليونير يبذخ أمواله من دون حساب.

 

في أربعة أيام بلغ حجم المشروعات العقارية في معرض «سيتي سكيب» في دبي نحو تريليون دولار، أي 1000 مليار دولار، أو 3.68 تريليونات درهم. وهو رقم لا يمكن لأحمد فؤاد نجم أن يتخيل مفعوله إذا ما قرر أن يستخدم جزءاً مئوياً ضئيلاً منه في شراء صفقة من الفول، والتمتع برفاه طويل مع فقراء القارات.

 

عالم العقارات يبني المنازل الذكية، ويشيّد أفكاراً عمرانية للمستقبل، بحيث لم يعد البيت مجرد جدران ونوافذ وسقوف من إسمنت وحديد، بل أمكن أن تشتري أكثر من بيت، باستخدام تقنيات تغيّر الألوان والأشكال والمساحات، وحتى الضوء، وتعيش بواسطة الكومبيوتر الذي يطهو طعامك، ويعدّ لك القهوة، ويجهز حمّامك في ثوانٍ. أمكن ذلك فقط لأثرياء قليلين في العالم، وأمكن لكثيرين الاستمتاع بمتابعة هذا الخيال فقط.

 

الإعلانات العقارية توجَّه للعموم، وهي تقول لك «تملّك فيلا» في وسط البحر، وأخرى تدعوك لأن تحيا بين السحب، ويزداد الإيهام ألماً، حينما تدعوك للمسارعة بالاتصال بأرقام الحجز، ما دمت لن تدفع أكثر من 10% من قيمة ذلك الخيال، فيما تتكفل البنوك والمؤسسات العقارية بتمويل طويل الأجل، في حياة قصيرة الأجل بالضرورة، حين تفكر بأن المبلغ المطلوب لحجز مكانك الجديد في المستقبل يزيد على دخلك لـ20 عاماً، وليس عليك بعدها الإمعان في التفكير في بقية الثمن!

 

الإعلان عن الشقة المعلقة في برج شاهق، وعن البيت الذي حفّته المياه مبهورٌ بالصورة، وأنت مبهور بالحلم. وفي لحظة واحدة تكتشف أنك مثل أحمد فؤاد نجم. يقولون لك إن بمقدورك القفز إلى فضاء صعب، وامتلاك ذلك المنزل، فلا تستطيع أن تتخيل أكثر من شرفة، أو ربما مساحة صغيرة في زاوية ذلك البيت، تجلس فيها إلى أريكة خشبية، وتتناول إفطارك من خبز وجبن وشاي، كأنك اشتريت بـ100 جنيه فولاً، وظننت أنك بالغت في الإسراف!

 

حتى الشقق الصغيرة التي لا تكفي لكي يركض طفلك فيها من دون أن يصطدم بجدار أو باب، ولا يستطيع أن يلهو فيها بكُرة صغيرة، الشقق التي هي مجرد مجاز لغوي للبيت بأبعاده الروحية والذهنية، أصبحت تصمّم وتشيّد وتباع للأثرياء وبالملايين، وأنت عملياً لا تدفع ثمن مواد البناء ومستلزماته فقط. أنت تدفع ملايين من أجل ذرات التراب، ومساحات الهواء، والإطلالة، والموقع، ومع ذلك اسم المطور العقاري وشهرته، وأثمان الإعلانات.

 

العالم الثري يتاجر بأحلامك، ويعرف أنك لن تقصر في مجاراته، مهما كلفك ذلك من إحباط ويأس، فيبني لك ما ليس لك فعلاً، ويصنع لك إغواء تسقط فيه سريعاً، كأنك جثة، وكأنه محض تابوت!

 

 

baselraf@gmail.com

 

تويتر