دفن الرؤوس في الرمال

جورج فهيم

 
أدت الأزمة التي تجتاح أسواق المال العالمية، وهي الأسوأ منذ أزمة الركود العظيم في الثلاثينات، إلى تهاوي أعمدة النظام المصرفي في «وول ستريت» مثل أوراق الخريف، ودفنت تحت ركامها مؤسسات مالية عملاقة كانت حتى وقت قريب ملء السمع والبصر مثل «ليمان براذرز» و«ميرل لينش» و«بير ستيرنز». وليس هناك زاوية على امتداد خريطة العالم لم تمتد إليها تداعيات الأزمة، ومع ذلك فإن مديري ورؤساء شركات وبنوك خليجية كبرى يؤكدون ليل نهار أنهم لم يتعرضوا لأي خسائر، وحتى من يريد منهم أن يذر الرماد في العيون يقول وعلى استحياء إن خسائره لا تذكر.

 

ونحن بالطبع نتمنى من كل قلوبنا أن يعبر عنا هذا الإعصار بسلام دون خسائر، لكن الحقائق على أرض الواقع لا تبشر بالخير، فحجم استثمارات الشركات الخليجية في الخارج خلال السنوات الخمس الماضية وصل إلى مستويات فلكية، ومن سوء الحظ أن اغلب هذه الاستثمارات تركزت في  القطاعين المالي والعقاري، وهما مركز الزلزال الذي ضرب الاقتصاد العالمي.

 

وعلى سبيل المثال لا الحصر، بلغت الاستثمارات العقارية الخليجية في الخارج بنهاية عام  2006 ما يزيد على 13 مليار دولار، أي ما يعادل نسبة 5% من إجمالي فوائض الميزانيات الخليجية، وفقاً لما أورده التقرير العقاري العالمي الذي تصدره مؤسسة «جونز لانج لاسال» المتخصصة في إدارة الاستثمارات العقارية. وللأسف فإن الأسواق الأميركية التي صدرت للعالم هذه الأزمة استحوذت على سبعة مليارات دولار من هذه الاستثمارات، تلتها بريطانيا بنصيب أربعة مليارات دولار، وما ينطبق على خسائر الشركات الخليجية في الأسواق العقارية العالمية ينطبق أيضاً على أزمة البنوك وشركات التأمين في أسواق المال الدولية، وقد كانت هذه الرسالة واضحة في مطالبة أغلب البنوك المركزية الخليجية للبنوك المحلية بضرورة الإبلاغ عن خسائرها في المؤسسات المالية الدولية المنهارة. وحتى ولو افترضنا، وهو افتراض لم تثبت صحته بعد، أن الخسائر المباشرة للبنوك الخليجية في المؤسسات المنهارة محدودة للغاية، فلا يمكن إنكار أن شهية المستثمرين الدوليين لتحمّل المخاطر، وخصوصاً في الأسواق الناشئة قد تراجعت بشدة، ووصلت نسبة انسحاب الأموال الأجنبية إلى 90% في بعض الحالات، ونظرة واحدة إلى أوضاع الأسواق المالية الخليجية كفيلة بأن تثبت أن المنطقة ليست بعيدة عن الخطر، والانخفاض غير الطبيعي الذي تشهده البورصات الخليجية منذ شهرين  دليل على ذلك، كما أنه ليس سراً أن بعض الشركات وضعت على الأرفف ولأجل غير مسمى خططاً لإصدار طرح عام أولي لأسهمها نظراً للظروف السيئة.

 
ولاشك أن ممارسة الشفافية لا تعني فقط كسر حاجز السرية والصمت، وإنما تعني أيضاً تحرّي الدقة في التقديرات والبيانات والتصريحات، وعدم دفن الرؤوس في الرمال والإصرار على أن الذئب بعيد عن مزرعة الحملان.  


georgefahim_63@hotmail.com
تويتر