هل نسحب أموالنا من البنوك؟

جورج فهيم

    
مشكورة هي البنوك عندما قامت بتطبيق سلسلة من الإجراءات الأمنية المشددة ـ بعد أن وقعت الفأس في الرأس ـ لحماية حسابات مئات العملاء من غارات السطو المنظم التي تعرضت لها انطلاقا من أراضي 10 دول على الأقل في مختلف أنحاء العالم!

 

والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل كانت البنوك تملك هذه الحزمة من الإجراءات وتضعها على الأرفف، وهل تملك القدرة على تطبيقها في ظرف 24 ساعة بمجرد تلقيها إشعاراً من اللصوص بحدوث السرقة.

 

ولماذا بخلت علينا البنوك بتطبيق هذه الإجراءات إلا بعد أن وقعت الكارثة، وأنا لا أقصد بالكارثة مجرد ضياع  بضعة آلاف من الدراهم هنا وهناك، وإنما ـ وهذا هو الأهم ـ اهتزاز ثقة العملاء بقدرة الجهاز المصرفي على حماية ودائعهم والمحافظة على أسرارهم وخصوصياتهم من عبث اللصوص الذين ينقبون في الظلام.

 

والمؤسف حقاً أن أحداً من السادة مسؤولي البنوك لم يكلف نفسه حتى الآن بطمأنة العملاء والحيلولة دون تدافعهم لسحب أموالهم من البنوك، بعد أن تكررت هذه السرقات وتكررت وعود البنوك بأنها المرة الأخيرة، وأن كل شيء هذه المرة تحت السيطرة، وهي التصريحات نفسها التي يخرج بها علينا مسؤولو البنوك في كل مرة.

 

وعلى الرغم من أن بعض البنوك أرسلت رسائل إلى العملاء تبلغهم فيها بوقوع السرقات وتطلب منهم تغير أرقامهم السرية، إلا أن البعض الآخر تجاهل تطبيق مبدأ الشفافية، ولم يعلن حتى الآن عن القائمة الكاملة لأسماء البنوك التي تعرضت للسرقة؟ وعدد الحسابات التي تأثرت؟ وكم الأموال التي نهبت؟ وما الأسلوب الذي اتبع في الاستيلاء عليها؟ وهل هناك بعض الموظفين من داخل البنوك تورطوا في هذه العمليات القذرة؟ وهل هناك خلل في منظومة الإجراءات  يسمح بتوافر البيانات السرية لدى من لا يفترض أن يطلعوا عليها؟

 

إن اللصوص الذين استطاعوا سرقة أرقام الحسابات والأرقام السرية للبطاقات فعلوا ذلك باستخدام قارئ بطاقات وكاميرا لاسلكية، وهي تكنولوجيا تباع على الأرصفة، وإذا كانت البنوك على الرغم من كل ما يتوافر لها من إمكانات بشرية ومادية وفنية غير قادرة على هزيمتهم  فما الفائدة إذاً من إنفاق ملايين الدراهم على شبكات الحماية وبرامج مكافحة سرقة الهوية ومنع التجسس والحوائط النارية وغيرها من القلاع التي تهاوت تحت ضربات اللصوص.

 
ومن المؤكد أن شبكة المعلومات المصرفية بحاجة إلى حماية، مثلها مثل الموانئ والمطارات والحدود، وهذه الحماية أخطر وأكبر من أن تترك لكل بنك على حده ليتصرف فيها من منظوره الخاص وفقاً لإمكاناته، وإنما يجب أن يكون هناك فريق أمني حكومي، مثلما هو موجود في كل الدول، مهمته وضع استراتيجية مفصلة بمعايير الحماية الأمنية التي يجب توافرها في الأنظمة المصرفية والطريقة التي يجب بها التعاطي مع هذه الأزمات، وذلك تحت إشراف المصرف المركزي، أما ترك الحبل على الغارب فيعني أننا نقول للصوص «انتبهوا يا سادة.. إننا نترك الباب مفتوحاً حتى تتمكنوا من الدخول في أي وقت تشاؤون».  

  

georgefahim_63@hotmail.com
تويتر