رمضان كريم ودخول مدرسي سعيد

د. أحمد الإمام

 

أقبل شهر التربية الروحية والصفاء النفسي، شهر يتعلم فيه الفرد مكاشفة مكونات ذاته، وينمي مهاراته لتوجيه انفعالاته ضمن علاقاته مع الناس، وضبط اندفاعاته العصبية والغريزية.

 

ما أبهى أن تقترن بداية هذه المسيرة الارتقائية بانطلاقة موسم العلم والتعلم. مناسبة سعيدة أن يصادف هلال شهر رمضان الدخول المدرسي؛ لعلها تجعل الفرحة فرحتين، وتشحذ همم المدرسين والآباء لدمج الأهداف المعرفية بالأولويات العقائدية والأخلاقية، وجعل الأجواء الرمضانية فسحة لسمو الروح وريادة الفكر، بعيداً عن إضاعة الوقت وهدر الطاقات في ما لا يجدي ولا ينفع.

 

قد يتساءل البعض عن جدوى الدراسة في شهر العبادة، وقد يتبادر إلى الذهن كثير من المشوشات، ويتناسى المتكلمون في هذا الأمر أن العلم عبادة وتعلمه وتعليمه فريضة؛ فالأجدر أن يترسخ في عقول وأفئدة الطفل والشاب المتعلم حب المعرفة وتذوّق حلاوة قـِيـَمِها وربطها بأصول مراجعه وهويته.

 

تتجذر الجماليات بواقع الممارسة، وإبراز مضامينها التي تـَطبع في أعماق الإنسان حقيقة المقاصد؛ فلا مناص أن تعيش المؤسسات التربوية والمدرسية المظاهر الحضارية للصيام بفاعلية وانتظام.

 

يعلم الجميع أن الحضارة العربية والإسلامية أشعت بأنوار علومها وسنا تشريعاتها على الإنسانية قاطبة، حيث اقتـُبس منها في مختلف مجالات الحياة؛ وعرف شهر رمضان بالتفرغ لاكتساب المعرفة ومجاهدة النفس لتزكيتها؛ فكانت المساجد مدارس وجامعات شعبية ينهل منها العموم؛ وقد تحققت الكثير من الإنجازات والفتوحات في هذا الشهر الكريم؛ أما المظاهر السلبية التي لحقت بهذه الأمة فلا داعي للإطالة بسردها، ويكفي الاطلاع على محتويات وسائل الإعلام المرئية خصوصاً، وملاحظة السعي الحثيث لجعل هذا الشهر مهرجاناً للترفيه والتسلية والكسل.

تنشط العديد من الهيئات لاستعادة الأمجاد، وتنظيم مسابقات وجوائز ومحاضرات وندوات، تنمي روح الانتماء للأصالة والتضامن المجتمعي؛ ولعل المدرسة خير مكان لتفعيل كل هذه المعاني السامية، وتمكين الطلبة من تـَمـَثـلال التكامل الذاتي، وياحبذا لو تتنافس المدارس بينها في غرس بذور الاستقامة والقيم الحميدة، وفتح المجال لدمج الأسر في خلق أجواء من المحبة والتكافل الاجتماعي والتعاون. يتطلب الأمر رغبة أكيدة لدى الإدارة، ومساهمة فعالة من طرف أفراد الطاقم التربوي، وإبداع أساليب مستجدة لإنجاح هذه الفعاليات الرمضانية المعرفية، التي لا شك أنها ستضفي طابعاً من الرونق والبهاء على واقع الحياة بالمؤسسة التعليمية.

 

كلنا نتذكر سلباً أو إيجاباً حياتنا المدرسية، فالمدة طويلة لمن أتم تعليمه الثانوي؛ فلا غرو أن تنطبع العديد من الصور والأحاسيس عن هذه المؤسسة التي تبني العقول وتبلور المشاعر، فما بالكم لو استطاعت هذه الأم المربية من تأصيل جذور شخصيات أبنائها، لتفخر بتألقهم علمياً وتسعد بوفائهم وإخلاصهم لمنشئهم.أعظم إحساس يشعرنا بالتميز عن غيرنا، هو قدرتنا على معرفة أدق الجزئيات عن ميولنا وطبيعة اندفاعاتنا وحقيقة سلوكياتنا وأهدافنا، وما يجعل شهر رمضان محطة محورية في حياتنا، كونه نقطة التحول من الطفولة إلى الرشد والمسؤولية، وبداية الارتباط الفعلي بالقيم والأخلاقيات الذاتية، فتنمو ملامح الشخصية على كل المعارف المكتسبة، والحوارات العلائقية والتساؤلات الوجدانية، وكذا الجلسات العامة والعائلية والأطعمة المنكهة بتوابل المشاعر الاجتماعية والعواطف الإنسانية.

 

كل فرد محتاج لتحفيز بيئي لتحقيق الكثير من طموحاته، ولا أظن أن أمة أخرى تتوافر على توحد وتجمع يشعر أفراده بالقوة والدعم المعنوي العام، للإقبال على مختلف وسائل البناء النفسي والتنمية الذاتية كما هذه الأمة. عسى هذه المصادفة الطيبة ترجع إلى الأذهان، أن أمة العلوم والمعارف رائدة بثوابتها التي جعلت القراءة شعاراً للرقي والازدهار، فهل نحافظ على مقوماتنا وننمّي مواطن القوة لدينا؟    

 

تويتر