الطموح

د. أحمد الإمام

 

تنفجر الكثير من الخلافات الزوجية أو الأسرية بسبب التناقض في التصورات الفردية لمعاني الحياة الكريمة، وغالبا ما يتشبث الزوج برأيه، معتبرا أن القناعة كنز لا يفنى، وأن تـَطـَلـلاع زوجته إلى متاع الآخرين، واندفاعاتها لمنافسة زميلاتها أو أقاربها، يدمر حياتهما؛ بينما تصر الزوجة على أنها أحق من غيرها برفاهية العيش، فتـَنعـَتُ زوجها بأقبح النعوت، وأرقها عبارة أنه عديم الطموح.

 

يتنافس الرفقاء في ما بينهم على أصعدة متعددة، وغالبا ما تكون مادية، وكل من تقاعس عن مسايرة ركب المكابرة فهو ممن يرضون بالقليل، فيصبح مهمشاً بين ذويه ولا مكانة له ضمنهم.

 

تدفع الأم بابنها أو ابنتها لتغرس مفاهيم الطموح لديهما، وغالباً ما تسرد أمثلة ومقارنات عن معاني الطموح التي تـُختزل في المظاهر المادية، مؤكدة أن تلك هي معايير النجاح الفعلي؛ أما الوالد فربما اعتبر الطموح مكرساً في المكانة الاجتماعية أو سلطة الشهادة الجامعية التي يريد أن يحققها عبر ذريته.

 

كل هذه المفاهيم الخاطئة لمعنى الطموح قد تهوي بالمرء في دوامة الضياع الوجداني، والركد وراء سراب المظاهر الزائلة. فالمرأة التي تعتقد أن الطموح هو امتلاك ما تمتلكه الأخريات، فلا عجب أن تجدها مرهقة نفسها وكل من حولها في متاهات المقارنات التي لا تنحصر؛ أما الرجل الذي يشقى ليتباهى بما يعتقده سلطة على الآخرين، فلا شك أنه يسعى ليمتلك ما يعوض به نقصه في عيون من لن يقدروه إلا نفاقاً. ليس الكسل قناعة ولا الرضا بالمذلة غنى، بل الطموح أن تسعى لتحقق ما تحمله في طياتك. تصور نفسك فسيلة صغيرة مازال العالم لا يعلم نوعية بذرتك؛ قـَدرُك أن تنمو لتحقق ما خـُلقت له، فعساك تكون نخلة شاهقة الثبات، طيبة الرطب، أو لعلك زيتونة مباركة الثمار وفيرة الظلال؛ فالطموح ليس نافلة الحياة بل هو نبض الفطرة التي فطر الله الخلق عليها.

 

ليس الطموح أن تقلد مظاهر ثمار الآخرين، بل أن تسعى بحيويتك وفاعليتك، لتكتشف عظمة الأسرار المكنونة في صبغياتك، وترى بأم عينيك معجزة ما أنعم الله به عليك. فكل إنجازاتك مسطرة في خلاياك، وسعادتك أن تستجيب لنداء الفطرة فيك؛ أما تقاعسك عن أن تكون ما يجب أن تكون عليه فليس من الرضا ولا القناعة بل هو ابتعاد عن ذاتك.

 

لو أنصت الناس لصوت الحق يهتف من صميم روحهم، ولو صدقوا ما جبلوا عليه؛ لما تنكروا لذاتهم، ولعلموا أن الطموح ليس تصنعا، ولا منافسة مع أحدهم، ولا تقليدا، ولا نصبا أو احتيالا لنيل ما لم يستطيعوا نيله بالسبل الشرعية، ولا غشا ولا سرقة ولا إجراما للغوص في برك الرذيلة.

 

الطموح بكل بساطة الشعور الذاتي هو السعي والعمل للمس سعادة الدارين، التي كرم الرحمن بها عباده؛ فهو يريد لهم العزة وقد كرمهم في الأزل ورفع شأنهم، فلا يتيهن مخلوق عن طريق مصيره، ولا يجهلن عاقل قراءة رموز حياته. ليست الألفة الزوجية أن يبعد كل إلف إلفه عن حقيقته، أو يصم أذنيه بنحيبه عن سماع نداء فطرته، وليست الأبوة أو الأمومة تشويش ترانيم روح الصغير لتوجيه طموحه، بزعيق المظاهر الزائفة وضجيج المخادعات الاجتماعية.

 

الطموح رضا بتحقيق الذات وسعادة مترسخة الجذور، باسقة الغصون لا تسعى أن تعلو عن قدرها؛ فلا تنتقص الزيتونة قدرها لعلو النخلة عليها، ولا يضير هذه الأخيرة استنارة العالمين بنور زيت الأولى، فكلٌ ميسرٌ لما خلق له. من لا طموح له فهو لا محالة هالك، لأنه يسير بنفسه في دروب مظلمة دون استنارة طريقه، ومن تنكر لطموحه فلا شك أنه هشيم تذروه الرياح.
تويتر