شرق وغرب
|
كان عنوان أحد كتب جورج طرابيشي النقدية المهمة «شرق وغرب: ذكورة وأنوثة»، قارب فيه العلاقة بين الشرق والغرب في الرواية العربية من هذه الزاوية. وربما صدر الكتاب في السبعينات، حين لم يكن العربي أو المسلم «إرهابيا»، وحين كان الكاتب العربي لا يرى في الغرب سوى المرأة الحرة والقادرة على ممارسة هذه الحرية علنا.
كان ذلك يشكل «تيمة» سردية مهمة ومتميزة. أن تأتي من بلاد بالكاد تذهب المرأة فيها إلى المدرسة والجامعة، لتجد النساء يتمتعن بحرية الحركة والقرار كالرجل تماما! أن تأتي من بلاد من سماتها القمع الجنسي كالسياسي والاجتماعي، لتجد امرأة تتخذ قرارا بممارسة الرغبة من دون زواج أو تقاليد الاختفاء والسرقة الجنسية! هذا كله جعل الكاتب العربي ممن ذهبوا إلى بلاد الغرب، يتناول العلاقة بين الشرق والغرب من هذا الباب، مدركا أنه بهذه المقاربة يطرح العلاقة بين ثقافتين مختلفتين ومتباعدتين. ولكن، شيئا فشيئا أخذت صورة العربي في الغرب تتشوه، بفعل المقاومة الفلسطينية أولا. ولكن هذه الصورة تعكرت تماما بعد 11 سبتمبر في نيويورك. كانت الصورة الأولى للعربي تندرج في إطار الهامش الدوني في العقل الغربي. الهامش الذي يدور في فلك الغرب بالضرورة، طالما كان الغرب مركزا. وعليه كانت المرأة الغربية حتى في علاقتها الجنسية بالرجل العربي، تنطلق من موقع الذكورة لا الأنوثة، بوصفها الطرف الأقوى جمعيا، ثقافيا وحضاريا. وهو ما لم يكن الرجل العربي يعيه في ذلك الوقت. أما الآن، فقد تغيرت الصورة تماما. صار العربي ذلك الإرهابي الممسك بالسيف، وقاطع الرؤوس، والخطر القادم في كل لحظة. في ظل هذه المناخات الجديدة، وبعد أن تحررت نسبة لا بأس بها من المثقفين العرب، من العقدة الجنسية القديمة، إثر بعض الحرية الاجتماعية التي أصابت بعض المجتمعات العربية، أصبح الكاتب العربي يرى العلاقة من زاوية جديدة. أصبح الكاتب العربي في الكتابات الجديدة، يرى الصورة بمنظار غير جنسي. صار ثمة بشر وثقافات ومواقف ورؤى متباينة، وصار الكاتب العربي قادرا على التقاطها والخوض فيها. فجأة وجد الكاتب العربي نفسه وسط منظومة اجتماعية وأخلاقية متكاملة، على عكس ما كان في السابق، حين لم يكن يرى في المجتمع الغربي سوى المرأة الحرة، صاحبة المقدرة على ممارسة حريتها والتعبير عن نفسها وتحقيق رغباتها في استقلالية مطلقة. أصبح الرجل العربي في الغرب معرضا للاستجواب الدائم، حتى لو لم يكن ذلك منطوقا. هكذا وجد العربي نفسه مطالبا بالدفاع عن أمة كاملة، في خلال الدفاع عن ذاته وتحصينها إنسانيا. وهكذا صار العربي مضطرا لتقديم إيضاحات حول المجتمعات العربية من جهة، وحول الإسلام من جهة ثانية. أي أننا أصبحنا نقرأ صراعا جديدا لم يكن قائما في الأدب من قبل، وأعني بذلك صراع الهوية في مواجهة الاتهام والتجريم. ولذلك لم أفاجأ بمحتوى رواية صنع الله إبراهيم «أمريكانلي». تماما كما لم تفاجئني الكاتبة السعودية زينب حفني في روايتها الجديدة «سيقان ملتوية». damra1953@yahoo.com
|
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news