شاعر الـ SMS

أحمد السلامي

 
اختفت المهرجانات الشعرية وتقلص حضور المجلات الأدبية التي كانت تدير معارك الجدل حول أشكال الشعر وآفاق القصيدة العربية، وها هي المحطات التلفزيونية تتسلم اليوم مهمة تشكيل ذائقة جمهور الشعر، وهنا لا بد من التفريق بين الشعر والجمهور، على اعتبار أن الشعر فن نخبوي وله سلالمه الخاصة التي يرتقيها في مسار تطوره، وبالتالي يمكن النظر إلى موجة المسابقات الشعرية المرئية من زاوية تأثيرها على ذائقة جمهور الشعر، ولا شك في أن هذه البرامج التجارية قد تنجح في تنميط ذائقة طائفة من الجمهور، وقد تؤدي إلى تثبيت الذائقة لفترة من الزمن عند مستوى من الشعر يحجب تذوق مستويات شعرية أخرى يتجاوز سقفها حدود الوعي الذي يقف الآن مندهشاً وصاحبه يتسمر أمام شاشة التلفاز لمتابعة مبارزات شعرية طريفة.

 

كتب الكثيرون عن المسابقات التي تعددت مسمياتها، البعض ينتقد آلية التصويت التي تمنح الجمهور الحق في تحديد الفائز، والبعض الآخر يحذر من التعصب للانتماءات القبلية أثناء التصويت، وثمة من يرى أن إحياء الشعر الشعبي بمضامينه التقليدية يهدد الحداثة الشكلية في مجتمعاتنا، وهناك من يقول إن هذه المسابقات نوع من العبث الذي يعكس غياب رؤية جديدة للثقافة العربية، وإن الشعر لا يخضع لمقاييس النجومية في الفنون الأخرى.

 

غير أن التأمل بوعي في هذه الظاهرة ينبغي أن يتنازل عن النظر إليها بتوجس، إذ لا يمكن تجاهل أن آخر محطات الجدل في الشعر العربي قد تجاوزت الأشكال والقوالب، أما القصيدة العمودية فإنها لم تعد موضوعاً للحديث إلا باعتبارها الشكل الحامل لموروث الأسلاف، ويكتسب العمود الشعري اليوم ملمحاً شعبوياً يلبي ذائقة العامة، وهذا ما يفسر حضوره في المسابقات التليفزيونية مصاحباً للشعر الشعبي وموازياً له، والظاهرة في مجملها تعكس احتراف العقل التجاري في توظيف الشعر وتحويل الشعراء إلى فرسان للوهم، ويأتي بعد ذلك استثمار مراهنات الجمهور الذي تربى على ثقافة الفرجة، ويندفع الجمهور لمواكبة المنافسة بحماس لأن قواعدها تجعله شريكاً في حسمها عبر التصويت، لذلك فإن تأمل هذه المبارزات الشعرية يستدعي النظر إليها من خارج منطق اللحظة الشعرية الراهنة، وربما تدعونا إلى قراءتها من زاوية ثقافية وانثروبلوجية.

 
إن هاجس معرفة من هو النجم الأوحد والفارس الأول يستهوي عامة الناس وهذا هو المدخل الذي دفع محطات التلفزة الغربية إلى ابتكار برامج عديدة جرى استنساخها عربياً وكان أولها برنامج «سوبر ستار»، ويبدو أن البنية الاجتماعية التقليدية لا ترفع من شأن حرفة الغناء والطرب مقابل حرفة الشعر، الأمر الذي ألهم بعض الفضائيات العربية إلى استعارة حلبات الملاكمة واستبدال اللاعبين بشعراء يتنافسون على ألقاب مبتكرة في زمن البورصة وآليات العولمة، فيما تم استبدال قواعد المصارعة بلجان تحكيم يعرف أفرادها جيداً أن الشعر فن إنساني نخبوي ولا يجوز أن تخضع جمالياته للتصويت عبر رسائل الـ (SMS)، والأخطر من ذلك أن هذه المسابقات بدأت توجه الشباب الموهوبين إلى نظم نصوص تلبي شروط المنافسة من ناحية شكل القصيدة ولهجتها ومواصفاتها، لذلك لم نستغرب حين تناقلت بعض الصحف قصة شابة جزائرية تكتب الشعر النبطي بلهجة خليجية متقنة نجحت في تقمصها بفعل متابعتها لمسابقات الشعر المرئية.

 

  
slamy77@gmail.com  

تويتر