النفط.. كشف الأسرار في جنون الأسعار

سلمان الدوسري

 

 نقل عن هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأميركية السابق، قوله في أوائل السبعينات من القرن الماضي، أن النفط أهم بكثير من أن يبقى تحت إدارة العرب وحدهم، هذه العبارة تستوقفني كثيراً كلما شاهدت المسرحية التراجيدية في الارتفاع غير الطبيعي في أسعار برميل النفط، الدول المنتجة تلقي باللائمة على المضاربين، وشركات النفط العالمية تدافع عن المضاربين وتتهم المنتجين، لكني مضطر للعودة دائماً لما قاله كيسنجر، وأقول بدوري إن السنوات المقبلة كفيلة بإيجاد حل لهذه الأحجية.

أن يرتفع النفط بسبب عوامل اقتصادية وجيوسياسية (عدم الاستقرار السياسي) فهذا أمر مفهوم، أما أن يتواصل جنون ارتفاع الأسعار بالشكل الذي يدفع برميل النفط ليرتفع خمسة دولارات في ساعات معدودة، و10 دولارات في يوم واحد، فهو أمر لايمكن أن يمر من دون أن يطرح جملة من التساؤلات المشروعة،وربما غير المشروعة، فالحكمة الصينية القديمة تقول لا تتحدث بالمنطق في أمور غير منطقية!!

لا أؤمن بنظرية المؤامرة، ولا أستسيغها إطلاقاً، غير أني أعتقد أن المصالح هي المحرك الأول لأي دولة أو جهة في العالم، لذا وبعيداً عن مضاربي النفط أو الفارق بين العرض والطلب، وهي قضايا لا أظن أن التعامل معها أصبح مستحيلاً حتى يواصل النفط تحطيم الأرقام القياسية ساعة بعد الأخرى، ولا أقول يوماً بعد يوم، أعتقد أن الفترة المقبلة، وإن طالت، كفيلة بالكشف عن أسرار هذا الارتفاع غير المنطقي. 

ليس بعيداً محاولات كيسنجر تشجيع دول المنطقة في السبعينات لرفع أسعار النفط، واتجاهه للشاه لإقناعه بذلك، ليس حباً في الدول المنتجة بالطبع، لكن من أجل أن يكون الاستثمار في القطاع النفطي مجدياً للشركات النفطية الغربية الكبرى، وهو ما كشف عنه لاحقاً، وأيضا ليس بعيداً الانخفاض الكبير في أسعار النفط عام 1986 عندما سجل أقل من 10 دولارات، وما تبعه من ارتفاع تاريخي في أسعار الفائدة، وهو ما اتضح مغزاه في ما بعد، من إضعاف لاقتصاد الاتحاد السوفييتي السابق، الذي كان في خضم غزوه لأفغانستان. كل هذه الدلائل تدفعنا، ليس للتشكيك، ولكن للتفكير في أن ما يحدث في السوق النفطية، أمر مبالغ فيه ولابد أن يكشف النقاب عن مزيد من الأسرار التي دفعت ببرميل النفط ـ حتى هذه الساعة فقط ـ إلى 143 دولاراً للبرميل.

للتذكير فإن ارتفاع أسعار النفط بهذه الصورة يعتبر كارثة مدمرة لأوروبا واليابان، وهو ما يتسبب في جعل اقتصاديهما يعانيان الأمرّين، على نقيض اقتصاد الولايات المتحدة التي لا تعتمد على أكثر من 17% من نفط الخليج.  
  
 ssalmand@gmail.com
تويتر