بوجدرة: اللغة الفرنســية حمتني من الرقيب العربي

تنشر بالتزامن مع جريدة «السفير» اللبنانية

ليس نقداً لعيوب، ولا للإرهاب العقائدي الذي يمارسه موظفو الأيديولوجيات العربية علينا في ادبياتهم، هو حوار لا يتخلى فيه رشيد بوجدرة الكاتب الجزائري الكبير عن العقل، فلا يكفر الذين كفروه، بل ينقد الفكر والثقافة والأدب، والعدوانية التي تحاول عزل الإنسان العربي وتغريبه عن قضاياه، فلا يصنع نهضته، ورغم ان القراء في العالم عرفوا بوجدرة من خلال كتبه التي انجزها باللغة الفرنسية
 
حيث ترجمت إلى 32 لغة حول العالم إلا أنه انجز أخيراً مجموعة من الأعمال باللغة العربية، وهو أمر برره بوجدرة قائلا «عدتُ للكتابة بالعربية لسببين اثنين: الأوَّل هو حبلا اللغة الأم، فأنا عندي علاقة عشقية معها، والثاني هو موقف حضاري وطني عروبي، لمَّا كتبت بالفرنسية طبعاً اشتهرت في العالم أجمع، إلا في الوطن العربي لذا أن أعود إلى الأصل، ربما اخترت العودة وأنا أقوى من الرقابة، فأنا بدأت حياتي الأدبية بمجموعةٍ شعرية بسيطة جداً «شعر شباب» ذلك عام 1965، وعندما نشرت المجموعة قُبلت لكنَّ مقصَّ الرقيب كان لها بالمرصاد. لذا عندما قرَّرت أن أكتب الرواية، كتبتها بالفرنسية ونشرتها في فرنسا.

 

 ونفى بوجدرة أن يكون السبب سعياً للشهرة، بل لأن القراءة في الجزائر بالعربية كانت شبه معدومة؛ إذ إنَّ الأغلبية الساحقة من المثقفين تقرأ بالفرنسية. أمَّا الشعب فكان يقرأ ويتعلَّم العربية باللهجة الجزائرية التي فيها بعض الكلمات البربرية والأمازيغية والفرنسية. 

 

وحول وجود عدد من الكتاب الجزائريين الذين اختاروا الكتابه بالعربية وحققوا شهرة كبيرة ومن بينهم الطاهر وطار أشار بوجدرة «الطاهر وطار ليس معروفاً عالمياً، شهرته على مستوى المغرب العربي، والمشرق، لقد ساعدته على نشر روايته «عرس بغل» بالفرنسية، وكتبت لها المقدِّمة،  كتب وطار لا تُقرأ باللغات الأخرى؛ لأنَّها محلية جداً وليس عندها انفتاح على العالم، وهذه مشكلة.

 

 فأنا قدَّمت له الرواية إلى دور نشر عدَّة فرفضوها، إلا دار الحزب الشيوعي، وذلك تعاطفاً معه لأنَّه شيوعي، وبشرط أن أكتب ل 

 

واقعية جديدة
وحول الواقعية التي كتب بها أعماله العربية والتي ينظر اليها على أنها ضرب للواقعية التي كتب بها نجيب محفوظ والطاهر وطار وهاني الراهب والياس خوري وغالب هلسا وخيري الذهبي، أوضح بوجدرة «بالضبط هذا ما أردته، فأنا كان عندي موقف واضح ومتوتِّر ومتعصِّب من هذه الواقعية التي أشرت أنت إليها، لواقعية محفوظ والطاهر وطار والياس خوري..

 

 وأردتُ أن أُدخل الفنيات التي تعلمتها من الرواية الغربية الحديثة، كنت أريدها حداثة، لغة تحدِّث الرواية العربية. ولستُ أدري إذا كنت شرختُ، أقمتُ شرخاً حقيقياً في الرواية العربية أم لا، ذلك بكسر الثالوث بطريقة كانت لي مبرراتي ومبالغاتي فيها، الكاتب العربي لا يتجرَّأ على فعل هذا لأنَّ عنده مشكلة مع الوعي، مع الصراحة والنزاهة.

 

لقد أردت كسر الذهنية ونمطية التفكير الذاتي، أنا مثلاً في كتاباتي أتحدَّثُ عن علاقاتي مع عشيقتي، وهذا لم نتلمَّسه في الرواية العربية بالشكل الذي طرحته.

 

أنا أكتب التفاصيل». وقال بوجدرة «طبعاً أنا كللا محاولاتي منذ البداية هي سعيٌ لاقتراح شكلٍ جديدٍ للرواية العربية. بالمناسبة أنا صديق ومعجب بأكبر روائي عربي إلى يومنا هذا وهو (كاتب ياسين)، وأنا إلى الآن لم أتمكن من تحدِّيه فأكتب أحسن منه.

 

لذا تبقى روايته «نجمة» النموذج الرائع لما كُتِبَ في الرواية العربية وهذه وجهة نظر لي. فأنا عندما بدأتُ الكتابة قلت: إمَّا أن أكتب أحسن من كاتب ياسين أو مثله أو لا أكتب.

 

 فكتبتُ وأظنلا أنني متساوٍ الآن معه، أما نجيب محفوظ فلم استفد منه شيئاً قرأته في سنِّ المراهقة، وقرَأَتْهُ ابنتي فريدة أيضاً في سنِّ المراهقة،  بالنسبة إليّ محفوظ روائي يكتب وفي السياق ذاته، بيّن بوجدرة «صحيح أن روايات محفوظ ترصد الواقع الشعبي المصري، وهذا شيء جميل.

 

 لكنَّها رواية سوسيولوجية وأنتروبولوجية أكثر من أيِّ شيءٍ آخر، ليس فيها جماليات»، وأبدى بوجدرة اعجاباً بشعرية الروائي الراحل عبدالرحمن منيف الذي اعتبره من المحدثين، وأضاف «لقد سبقته بسنواتٍ كثيرة. لكنَّني أوَّل من اشتغل على التناص.

 

في ما بعد اشتغل عليه جمال الغيطاني وعبدالرحمن منيف، ولكن استعمال التناص جاء عندي في الرواية بشكلٍ وطريقةٍ هجومية وغزيرة، فيما هم استعملوه باحتشام. أنا أخذت صفحات كاملة من ابن خلدون، وفي روايتي (معركة الزقاق) أخذت رياضيات، مسائل رياضية ليس لها حلٌّ، حتى العلوم الدقيقة أدخلتها في أعمالي الروائية، مع هذا فأنا أعتزلا بمنيف؛ فهو من أكبر الروائيين العرب وأهمهم». 

 

أما حنا مينه، فاعتبره بوجدرة مثل نجيب محفوظ ، ومحمد ديب، فهم «قدَّموا أشياء بسيطة، اجتماعية جميلة، لقد كتبوا كشيوعيين. أنا أيضاً شيوعي؛ لكنَّني كتبتُ كأنَّني لست شيوعياً، لقد استعملت حريَّتي، ولم أدخل مثلهم في بوتقة الواقعية الاشتراكية.

 

هم عندهم أبطال، أما أنا فلدي شخوص. هذا هو الفارق، أما آسيا جبار فهي كاتبة متوسطة، ونحن نحترمها كثيراً لأنها امرأة، لكن في مسار حياتها الإداري كانت خبيثة جداً، لقد أكلت الخبز وبزقت 
 
مقاومة 
يرفض بوجدرة استعمال كلمة «نكبة» لأنه يعتبر اسرائيل استعماراً حقيقياً، والقضاء عليها لا يكون إلا بالمقاومة المسلحة «الدولة الفسلطينية لن تتحقق من دون حرب، بالنسبة إليّ غالبية الحكام العرب خانوا فلسطين، تركوها هناك. خونة تلاعبوا بفلسطين، وباعوها. والشعراء يقولون كذلك لا الروائيون مثل مظفر النواب. أنا أتأسَّف على أنَّ اليسار لم يلعب الدور الذي يلعبه الإسلاميون في المقاومة»

تويتر