متحف اللؤلؤ الطبيعي.. تاريخ من البريق

 

في الطابق الـ15 بالمركز الرئيس لبنك «الإمارات دبي الوطني»، المطلّ على ضفة خور دبي، تاريخ من نوع مختلف للإمارات والإماراتيين، تاريخ لامع، لم يخفت بريقه، رغم السنوات الطويلة، تاريخ مكتوب باللؤلؤ!

 

والحديث عن متحف اللؤلؤ الطبيعي، يقود بالضرورة للحديث عن صاحب هذه اللآلئ الرئيس التنفيذي السابق للبنك المرحوم سلطان العويس، الذي آثر ان يجعل من عشرات الملايين من لآلئه متاحة للشعب الإماراتي، وللشعوب الأخرى، التي تريد ان تعرف كيف كانت الحياة السابقة، والاقتصاد السابق لدولة الإمارات في ذلك الوقت، قبل الاتحاد، فالهدف الرئيس لمتحف اللؤلؤ، حسب ما أكده مدير عام التسويق والاتصال المؤسسي في «الإمارات دبي الوطني» سليمان المزروعي، «هو المساعدة على المحافظة على تاريخ غواصي اللؤلؤ وتجّاره، وان يستطيع الناس رؤية اللآلئ كي لا ينسوا تاريخ الإمارات وتراثها، وكيف كانت تعيش قبيل اكتشاف النفط»، واضاف «الى ذلك الحد كان كرم وسخاء العويس، هذا الرجل الذي وهب هذه المجموعة للبنك ليتمكن الجميع من الاستمتاع بسحرها»، مشيراً الى ان العمل في انشاء متحف اللؤلؤ الطبيعي «استغرق عامين من الجهد الجماعي الذي كان شعاره: الحب والولاء»، مؤكداً سعي ادارة البنك لأن تكون «جزءاً من خطة تراث دبي في مشروع دبي الثقافي على ضفتي الخور».

 

ورغم منح سلطان العويس هذا المتحف لأجل الشعب الإماراتي، الا ان زيارته تحتاج الى طلب رسمي تتم الموافقة عليه من قِبل ادارة البنك، وحول ذلك قال المزروعي «نحن بالفعل لا نفتح المتحف بشكل عام الا بطلب رسمي، ولكننا لا نرفض اي طلب لزيارته»، مشيراً الى ان متحف اللؤلؤ الطبيعي يستقبل ما لا يقل عن 10 زيارات في الشهر من طلاب المدارس والجامعات، من داخل الدولة وخارجها، مثل سنغافورة وبريطانيا واميركا»، وعن احتمالية عرض اللآلئ في متاحف عالمية، قال المزروعي انه من الناحية اللوجستية «يصعب نقل اللآلئ الى اي دار عريقة، او عرضها في متاحف عالمية».
 

 

الاستعداد للرحلة

وفي جولة لـ«الإمارات اليوم» في اروقة المتحف، عرض المزروعي تاريخ اللؤلؤ، وآليات الحصول عليه، وتاريخ الغواصين أيضاً، وادوات الصيد ومواسمه، مشيراً إلى ان «اساطيل صيد اللؤلؤ كانت تنطلق الى مغاصات للمحار من شهر يونيو الى شهر سبتمبر من كل موسم، وكان للبحرين 900 مركب، وللكويت 600 مركب، وللإمارات  1200 مركب، وكان المركب او (البوم)  الواحد لا يتجاوز الـ15 متراً، يقيم فيه ما بين 80 الى 120 غواصاً لمدة اربعة اشهر و10 ايام بالتمام والكمال».

 

ويضيف المزروعي ان «الحياة على مركب يضم 120 غواصاً كانت صعبة، ولكنها استطاعت ان تخلق نوعاً من العلاقات الإنسانية بين الغواصين»، موضحاً ان  الغواصين كانوا يعتمدون في عتادهم على اقل الموارد، ونوعية الطعام كانت بسيطة يتشارك فيها جميع الغواصين على المركب، مما كان يشكل مشهداً اخوياً يجمع بينهم، حيث كان الفرد منهم يطعم من ليس لديه طعاماً»، وعن الاستعدادات لرحلة الغوص قال المزروعي «كان يجري، بشكل جماعي، دهن السفن بالزيت والشحم لغرض وقايتها من التآكل نتيجة المياه المالحة والمدة الطويلة التي يرسو القارب فيها على المياه»، وأضاف «كان يتم تحميل السفينة بكل ما يلزم للغوّاص من حبال وطعام، والاحتياجات الضرورية كملابس الغوص، وعي عبارة عن رداء ابيض اللون من القماش الشوكي، للوقاية من الاسماك المفترسة و الشمس واملاح البحر وغيرها من مخاطر الغوص»، مشيراً الى انه «في احيان كثيرة وبعد ان يقرر ربّان السفينة موعد انطلاق الرحلة يذهب الكثير من الغواصين لتسديد ديونهم، او لشراء اغذية لعائلاتهم، وتوفير متطلباتهم».

 

طقوس وأهازيج

(يا بحر يا بحر هل في حضن اصدافك)، وهذا من المواويل التي كانت تغنى عندما يحين موعد الرحيل، حيث تخرج كل عائلات الغواصين لوداعهم في مشهد مثير ترتفع فيه اصوات الغواصين بغناء متواصل للمواويل والأهازيج، التي تتردد اصداؤها  اميالاً عدة، فالغوص، حسب المزروعي «كان لصيقاً بحياة كل عائلة؛ حيث كان مورد الرزق الوحيد للكثيرين، وكانت حصة الغواص من الغلة هي كل ما لديه من أجل قوته هو وعائلته، لما تبقى من السنة، حتى يأتي الموسم المقبل».

 

مضيفاً ان «المعاناة التي كان يعيشها الغواصون لم تكن تقتصر على الغواص نفسه، فقط، بل كان لعائلته نصيبها منها ايضاً» فموسم الصيد يقول المزروعي «كان مقصوراً على اربعة اشهر في السنة، ابتداءً من شهر يونيو الى شهر سبتمبر، ويجب ان تكفي حصيلته المادية لبقية اشهر السنة» مضيفاً «اننا نشعر الآن بالضنك الكبير الذي كان يعانيه المواطن وعائلته في الحصول على لقمة العيش التي كانت تؤدي به احياناً الى ان يغامر بنفسه في اعماق البحر كي يوفر الحد الأدنى من المعيشة لعائلته»، موضحاً «الآن فالمواطن الإماراتي اصبح مرفهاً مادياً، مقارنة بشعوب اخرى حول العالم»، مشدداً «لذلك يجب علينا ان نستذكر دوماً حياة اجدادنا، ومعاناتهم، ونقدر قيمة اللؤلؤ الطبيعي الذي بذلت لأجله ارواح كثيرة وعزيزة».

 

ويستعيد المزروعي تفاصيل رحلة الغواصين الى البحر «حيث يعلن (النوخذة)، وهو ربان السفينة او القبطان، موسم الصيد من خلال تجواله بين المنازل والصياح بأعلى صوته منادياً»، واضاف «كان (النوخذة) يحرص دوماً على إعطاء الغواصين اجورهم، او جزءاً منها، مع ربطات معدودة من الخبز قبل الانطلاق الى البحر، ليعيش عليها ذوو الغواص لمدة اربعة اشهر هي فترة غيابه»، مشيراً الى ان «الغواص كان يتفق مع النوخذة على الفائدة التي سيحصل عليها من كمية اللؤلؤ»، مؤكداً ان «الغواص لم يكن ينجح دائماً، فالبحر (غدّار) وخادع، ومن الممكن ان يحصل على كميات كبيرة من المحار لا تحوي اللآلئ؛ مما يؤدي الى مشكلات بينه وبين النوخذة»، موضحاً «فالنقود المدفوعة سلفاً قد تكون سبب تراكم ديون على الغواص، اذا فشل في مهمته، مما كان يدفع البعض للهرب الى امارات اخرى في الدولة، خوفاً من التجار وقبطان المركب الى ان يستطيع الغوص مرة اخرى ليعوّض خسارته».

 

وتنقسم المهمات اثناء عملية الغوص الى ثلاث هي «(السيب) وهو من يقف على ظهر المركب ممسكاً حبلاً مربوطاً حول (الغواص)، و(فالجو) المحار وهم الذين يقومون بفرز اللآلئ عن المحار»، ويشرح المزروعي «حين ينهي الغواص مهمته يقوم بشد الحبل الملتف حول خصره، حيث يجذب الحبل مرتين، وهي اشارة للسيب بأن يقوم بسرعة باخـراجه الى سطح البحر».

 

أصناف اللآلئ

ويخضع اللؤلؤ، حسب معلومات المزروعي، لعمليات تصنيف دقيقة، ومتعارف عليها بين الطواشين وتجار اللؤلؤ والخبراء في اصناف المجوهرات واللآلئ، و«يتم تصنيف اللؤلؤ حسب الحجم، وثانياً حسب الجودة، وثالثا حسب اللمعان، وانعكاس الضوء عليها، ويصنف اللؤلؤ الى (رأس)، وهي من اكبر اللآلئ حجماً، و(بطن)،  و(ذيل)، و(السحتيت ) وهو من اللآلئ المتناهية في الصغر»، مضيفاً ان هذا التصنيف يتم باستخدام «اربعة غرابيل هي عبارة عن اوعية نحاسية تحتوي كل منها على ثقوب متساوية في الحجم، على هيئة منخل، ولكنها تختلف وتتفاوت عن بعضها بعضاً، لتفرز الأحجام المتفاوتة من اللآلئ، لتحديد قيمتها المادية واوزانها، اضافة الى عدسة مكبرة لاختبار جودة ولمعان سطح كل حبة لؤلؤ».

 

وعن اختفاء مهنة الغوص في الوقت الحالي، قال المزروعي «ان السبب الرئيس في انقراض هذه المهنة يكمن في ظهور النفط في منطقتنا الخليجية»، واضاف ان  عملية الغوص للبحث عن اللؤلؤ «لم تعد مجدية اقتصادياً، ومخاطرها اكبر من فوائدها المادية المرجوة منها»، مضيفاً ان «الثقافة تغيّرت لدى المستهلكين، وعملية الغوص منهكة جداً، حتى لو تم تجهيز حملة من الغواصين، مع اجهزة حديثة وآمنة، فلن تكون مجدية مقارنة مع فائدتها المادية، فالغواص في القرن الماضي كان لا عمل له الا الغوص، لذلك كان يضحي بحياته من اجل اطعام عائلته».

 

 

 سلطان العويس

كان علي بن عبدالله العويس تاجر لؤلؤ، وهو الذي بدأ جمع المجموعة، لكنه لم يعش حتى يرى تحقق حلمه، ويعود الفضل الى ابنه سلطان العويس في تحويل الحلم، لاحقاً، الى حقيقة.

 

وأصبح سلطان العويس اول رئيس لمجلس ادارة بنك دبي الوطني عام 63، وتزامن تعيينه مع الازدهار النفطي وحقبة النمو غير المسبوق، وعند رحيله في يناير 2000 كان معروفاً بأنه يمتلك احدى كبريات مجموعات اللآلئ في العالم، وقد اهدى العويس المجموعة للعرض، على ان تبقى امانة في بنك دبي الوطني.

 

اللؤلؤ علمياً

هو عبارة عن «حيوان طفيلي تسلل الى المحار، فأفرز المحار حوله إفرازات من صدف املس شفاف تغطي ذلك الكائن الغريب الذي فرض وجوده على حيوان المحار، وهذا ما يؤكده العلماء في بحوثهم عن أصل اللؤلؤ، ومراحل تكوينه، حيث إن كل لؤلؤة كانت في الأصل حبة رمل ناعمة تسربت الى القباء داخل الصدفة، فأزعجت بوجودها حيوان المحار، فأفرز مادة صدفية تدعى «موليسك» وأحاط بحبة الرمل تلك في هيئة طبقات متبادلة، ويصبح لعاب هذا الحيوان لؤلؤاً عند تصلبه»، ويشير سليمان المزروعي إلى ان «افضل انواع المحار في الخليج العربي هو (البينكتادا) الذي يحضن حبة التراب اشهراً عدة، وقد يستمر الى سنوات»، وعن الوان اللؤلؤ الطبيعي يضيف «الألوان الفاتحة كالزهري والذهبي والفضي والألوان الغامقة كالأسود والأخضر والرمادي، وهي الأغلى ثمناً والأكثر صعوبة للحصول عليها»، وموجد محار اللؤلؤ من مستوى المد المنخفض إلى عمق نحو 75 متراً، لذلك يستطيع المعيشة والتكيّف في ظروف بيئية مختلفة ضمن هذا المدى، وتلعب العوامل البيئية مثل طبوغرافية القاع، الرياح، الأمواج، حركة المياه، التيارات، الضوء، درجة الحرارة، الملوحة، الأوكسجين، والأملاح المغذية، دوراً حاسماً في شكل اللؤلؤة ونموها داخل المحارة.

تويتر