مريم الشحي: ورثت صناعة «السعف» مــن أمي

 

ورثت مهنة «صناعة السعف» عن أجدادي وأمي، وأحببتها منذ طفولتي، وأتقنتها نتيجة الممارسة، وما تلقيته من تدريب مستمر على يد والدتي، التي علمتني منذ كنت في العاشرة من العمر، فاستطعت بأناملي أن «أصنع السلال، والحقائب، والمكب (الذي يُغطَّى به الطعام)، والصرود «طبق القش»، الذي يقدم عليه الطعام، والسلال، والحقائب».

بهذه الكلمات بدأت، مريم علي الشحي، حديثها عن هذا العالم، الذي يجذب النساء للعمل فيه، خصوصاً في الأماكن التي يكثر فيها النخيل في الدولة، قائلة «أشياء كثيرة دفعتني إلى هذه المهنة، أهمها أنني أمارسها بيدي في البيت، بين أسرتي، وكانت تشعرنا بأننا مستورو الحال، بعد أن أصبح لدينا قناعة بأن النخل، يشكل حياتنا، فهو أحياناً جزء من غذائنا، وضيافتنا للآخرين، ومنه بنينا بيوتنا في الصيف، لذا كانت أمي تردد «النخل شجرة مباركة منحنا الله إياها».

أضافت مريم، شارحة أسلوب تحضير السعف لهذه الصناعة، أن «في البداية نقوم بجمع السعف، بعد أن يقصها السعاف، ثم نجففه في الظل، حتى لا يتعرض للاحتراق من أشعة الشمس، وبعد أن يجف، نضعه داخل إناء كبير، ثم نضيف له الماء و مواد الصبغ، ونتركه يغلي على النار حتى يثبت اللون».

تابعت مريم، «نجففه لمدة أسبوع، وبعدها نجمعه بشكل مرتب، نفرز اللون الطبيعي من الألوان المصبوغة، لنبدأ بعد ذلك بالصناعة».بداية العمل تحدثت عن بداية العمل، موضحة «إنني أحول السعفات إلى ضفائر، بطريقة بسيطة جداً، تشبه ضفائر شعر المرأة، وأجعل تداخلاً بين اللون الطبيعي والألوان المصبوغة، بحيث أصنع أشكالاً تلفت النظر، وهكذا أستمر في صناعة الضفائر، بحيث تتشكل أمامي تدرجات في اللون، وحين أنتهي أخيط ما صنعته كي يتماسك ويأخذ الشكل الذي أريده، ثم أقص كل الزوائد ليأخذ المنتج شكلاً يوحي بالأناقة والنظافة».

اهتمام 
ولفتت إلى «كنا نعمل بالظل بعيداً عن الضوء، أي داخل بيوتنا لنكفي أنفسنا، ولكن اليوم اختلف الأمر، فقد زاد الاهتمام بالمنتجات اليدوية من قبل عدد من المواطنين و الزوار والســياح، إضــافــة إلى اهتمام من قبل «هيئة الثقافة والـتراث في أبوظبي»، ليكون لنا ركن نعمل فيه، وجوائز تشجيعية، لهذا بدأنا نعمل تحــت هذه المظلة لنصنع أعمالنا حسب الطلب، فأنا أداوم حتى آذان الظهر، وأحمل معي بعض الأشغال لأنهيها في بيتي وبين أولادي». أضافت مريم «اليوم نصنع لبرنامج «شاعر المليون»، سلالاً صغيرة ليقدم فيها الرطب للضيوف، إلى جانب مشغولات كثيرة أقوم بصناعتها لتباع للرواد الأجانب والعرب، الذين يهتمون بصناعات من مواد طبيعية وصحية، تشكل جزءاً من التراث».

 انقراض
زادت مريم بحسرة «اليوم اختلف الزمن، فالمدارس أخذت أولادنا، لذا فكل خوفي من انقراض المهنة، لأن أولادنا بعيدون عنا، ولا يهتمون بما نصنعه، وكل اهتمامهم بما يصل إلى السوق من موديلات وماركات في عالم الموضة، عندي خمسة أولاد، وست بنات نادراً ما يساعدونني، أو يهتمون بما أصنعه، اللهم سوى في المرحلة الأخيرة من الصنع، وهي قص كل السعف الزائد، أي تنظيف القطعة».
يوم وعن قضاء يوم في حياتها تروي مريم تفاصيل الساعات التي تمضيها قائلة «أعيش في منطقة الشهامة القريبة من أبوظبي، فنحن ناس نحب البيت، ولا نبحث كثيراً عن المشاوير، لأن العائلة الكبيرة تحتاج إلى حضور الأم بشكل دائم».

وأضافت «كنت أذهب إلى البحر، على  شاطئ الراحة، وحين تحول الشاطئ إلى مشروعات تجارية، عبارة عن فنادق ومتنزهات، لم نعد نذهب إلى البحر، على الرغم من أنه كان ملعباً لأولادنا، حيث كانوا يصطادون ويسبحون ويلعبون، ويشوون السمك واللحم، لنعود مساءً سعداء إلى بيوتنا».
تابعت مريم، أن «المشاوير الأخرى تكون نحو «دبا البيعة» القريبة من الفجيرة، لأزور الأهل، ونذهب إلى البحر، ونلتقي مع أقاربنا، ونزور الكبار والمرضى،  ونجتمع على الطعام، خصوصاً (المندي، والمخبوص، والبرياني)، لنشرب بعد ذلك الشاي المغلي على الجمر، وتدور فناجين القهوة العربية بيننا، فتتجمع النساء، وتحكي كل واحدة فينا عن حكاياتها وقصصها، ونسعد حين تنضم إلينا امرأة خفيفة الظل، أي مرحة تعطي الجلسة معنى آخر».

مراكز تجارية
وذكرت أن «أما المراكز التجارية، فنادراً ما أذهب إليها، فأنا أشعر بالملل حين أذهب للتسوق من هذه المراكز، في حين يذهب أولادي إلى مركز شاطئ الراحـة لأنه الأقرب لنا، وأحياناً يختارون البعيد، فيقصدون (المارينا مول، وأبوظبــي مول)، في حين أبقى أنا موزعة بين عملي في المجمع، وبيتي»، منوهة بأن «مكان عملي جعلني أشعر بالتعود على رؤية الأجانب، والزوار، لذا فهذا المــكان أصــبح يشكل لي بيتا آخر، خصوصاً أنني أجلس مع صديقاتي المهنيات، نتناول فطـورنا معاً، ونصلي الضحى، والظهر معاً، لهــذا أشـعر أن هذا يكفيني، ولا أحتاج أبداً إلى السفر، لهذا لم أسافر سوى إلى بيت الله العظيم في مكة».     
 
منتجات المهنة  
السرود هو عبارة عن بساط، أو سفرة توضع عليها أطباق الطعام، يصنع السرود من سعف النخيل المجدول والملون، على شكل دائري وبأحجام حسب الطلب، ويعد من الأدوات المنزلية المهمة. والمهفة إحدى الأدوات المنزلية المصنوعة من سعف النخيل، على شكل مربع أو مستطيل، وتثبت بحبال من ليف النخيل، وتستعمل المهفة لزيادة اشتعال النار، أو تحريك الهواء في فصل الصيف.   
 
 تاريخ صناعة «السعف»  
السعف، مهنة يدوية شعبية مهمة، تعود إلى حضارة وادي الرافدين، وشبه الجزيرة العربية، وأماكن أخرى ازدهرت فيها زراعة النخيل، لذا فقد دخلت في معظم مفردات الإنسان البيئية، بيت السعف، وأقفاص الدواجن، والرطب والتمور، وهي حرفة تناقلها الأجداد، لتسد بعض احتياجاتهم اليومية. ويطلق على الشخص الذي يسف النخل اسم السعاف،  وهو الذي يقطع السعف من أطرافه، وقد ثابر عليه بعض العجزة المحتاجين، واشتهرت في صناعته يدوياً النساء ، فأنتجن وأفدن.  
 
تويتر