مركزية الغرب

أحمد السلامي

 

تعرفت أخيراً في تونس إلى السيدة كورين كومار التي تشرف على منتدى يضمّ حشداً من مناهضي العولمة، وتحظى كومار بشهرة واسعة لدى الجمعيات النسائية والحقوقية، باعتبارها صاحبة فكرة تنظيم المحاكم الشعبية لإدانة أعمال التعذيب والانتهاكات بحق المرأة. تلفت انتباهك مقولاتها النقدية حول الغرب ونظرته الأحادية إلى العالم، وترى أن دول الجنوب بتنوعها الثقافي تمثل بديلاً حضارياً عن النموذج الغربي، وتقصد بالجنوب دول آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية.

تقول كورين إن الجنوب لا يزال واقعاً تحت الهيمنة الغربية التي قررت نموذج تنميته، وحددت مقولاته الجمالية، ورسمت ملامحه العسكرية وما ينبغي أن يحصل عليه من تكنولوجيا واختيارات نووية، ولا يزال الجنوب راضيا بهذا النظام الكوني العام الذي تضرب جذوره الفلسفية والسياسية في السياق التاريخي الخاص بثقافة الغرب وحضارته، لكنها تتساءل: ما الذي أهّل التصور الغربي لنظام الكون لأن يوسم بالكونية؟ إنها تلك النظرة التي عدّت أوروبا مركز العالم، واختزلت التنوع الثقافي في نمط حضاري واحد، وأعلنت أن ما هو صالح للغرب يجب أن يكون نموذجاً يحتذى في سائر العالم، وهكذا غدا كل ما هو غربي ذا بعد كوني بالضرورة، وأصبحت كل حضارة غير حضارة الغرب وكل جهاز معرفي آخر، إنما يعرفان بالقياس إلى هذا النموذج. أما الآخرون في ثقافة  الغرب ومنظوره، فهم ينتمون إلى بلدان متخلفة إزاء النظام الاقتصادي العالمي الذي أخضع كل تنمية لحساب الناتج الداخلي الخام، وإلى أنماط الاستهلاك والتصنيع وإلى صورة الغرب الذاتية للإنسان الاقتصادي ذي الحاجات السلعية المعلومة.

إن هذا النمط ينظر إلى الكون بصبغة علمية منذ أن وصف المؤسسون للعلم الحديث الكون باعتباره آلة محكمة التنظيم، ورسم نموذجهم معالمه بمصطلحات رياضية، فانعكست هذه النظرة بدورها على ميدان العلوم الاجتماعية التي اعتمدت الإطار الديكارتي واختزلت الظواهر الاجتماعية المركبة في جملة من البيانات قابلة للتجميع والمعالجة، بل والأخطر من ذلك قابلة للتحكم بها، وبذلك فصل الغربيون جميع كيفيات الحياة عن كمياتها، ثم استهدفت هذه النظرة في ما بعد نزع القداسة عن كل أشكال الحياة، فإذا بالطبيعة تصبح في منظورهم مجرد آلة، والكائنات الحية كلها مجرد آلات ذاتية الحركة لا روح فيها، وهذا ما هيّـأ لقيام عهد من الاستغلال الاقتصادي والبيئي والبشري لا حدّ له.

وتتساءل كورين كومار: ماذا لو اعتبرنا النظرة العلمية الغربية إلى العالم مجرد واحدة من بين تصورات شتى؟ ماذا سيكون مآل العلوم الاجتماعية التي غدت صناعات كبرى؟ فعلماء الاجتماع الذين يحتاجون إلى امتيازاتهم هم جزء من راهن أيديولوجي يحتاج بدوره إلى مبدأ كونية العلوم الاجتماعية، بما فيها من حياد تجاه القيم، وبما فيها من عقلية وموضوعية، لكي تحوز الشرعية وتضفيها تالياً على نظام العنف وتعيد إنتاجه وطنياً ودولياً. ترى كورين أن النظرة الغربية التي وضعت مبادئ حقوق الإنسان، تمكن الدول الموقعة على إعلان حقوق الإنسان من إضفاء صبغة الشرعية على ممارساتها، حين تبقي على أعنف أشكال القمع بحق شعوبها، فينظر إليه باعتباره مسألة داخلية ومسألة «أمن قومي» لهذه الدول ذات السيادة، وبذلك يشرع خطاب حقوق الإنسان وتطبيقاته لما يوصف بعنف الدولة وإرهابها. 
 
 slamy77@gmail.com   
تويتر