نُخب الشر

عادل محمد الراشد

 

مشكلة المواطن العربي مع النُخب. فهذه النُخب تتكلم باسمه، وتتصرّف باسمه، وتتخذ القرارات العادية والمصيرية.. والتي «تُوَدّي في ستين داهية» باسمه.

 

ومشكلة المواطن العربي مع نفسه أنه قسّم نفسه، فإما التابعية على طريقة القطيع، تؤذن النُخب فيسرع هذا المواطن للتكبير من دون أن يسأل، أو يتفحص عن أي الأوقات تقام الصلاة، وإما صمت اللامبالاة واعتزال الحال، وترك هذه النُخب تفعل ما تشاء، وتقرر ما تريد، فتأخذ الشارع والمدينة، وكل تخوم البلاد شرقاً وغرباً، وتشعل الحرائق، وتهدم العمران، وتفتت النسيج الاجتماعي، وهو ينتظر مرور هذا التيار ناحيته، فإما يجرفه معه، أو يتجاوزه من دون أن يتركه بلا خسائر.

 

وربما كان الأخطر في ذلك قدرة هذه النُخب على إحداث الاستقطاب في عملية شرخ للأوطان، وجرح للهوية، وفسخ للانتماء، فيصبح الوطن وطنين، وربما أكثر، والهوية موزّعة، والانتماء تائهاً لا أرضه أرضاً ولا سماؤه سماء. فيصبح الأخ عدواً، والجار غدّاراً، والوطن هدفاً مستهدفاً.

 

النُخب التي خطفت فلسطين من تاريخها وجغرافيتها، ومقاومتها، ومعاناتها، وانتفاضاتها، ودروسها، هي النُخب التي تتصارع على خطف لبنان اليوم من محيطه، وتضحياته، وعنوان مواطنته لتنفّذ أجندات خارجية وافقت أهواء داخلية، فيستقوي هذا الشطر من الداخل بذاك الشطر من الخارج، ويبادله الشطر الثاني التلويح بغريمه على الضفة الأخرى، وخلف هذه النُخب يقف المواطن اللبناني يحصي قتلاه، ويبكي جرحاه، ويتفحص ممتلكاته، ويضع يديه على قلبه خوفاً من تكرار مشهد 1975، ذلك العام الذي انطلقت فيه رصاصة البداية بقرار من النُخب فاستمرت أيامه وشهوره ستة عشر عاماً أكلت فيها النيران كل ما وصلت إليه ألسنتها، وشرّدت من اللبنانيين إلى كل اتجاهات الأرض، وأحدثت من الشروخ ما لم ترممه لا «طائف» ولا واقف. 

 

 

adel.m.alrashed@gmail.com

 

تويتر