بكاء الرجال

زياد العناني

 

لكل إنسان أيامه التي تذهب ولن تعود ابدا، نتذكر دائما ونقول بسرعة: كيف وصلنا الى هنا ؟ وأين ذهبت تلك الصلات الجميلة مع الحياة التي كنا نعقدها فرادى وجماعات في سهرات ولقاءات نجلس فيها، وحين نقوم نقف على أقدام مائية لا يكفي انها تترنح بنا، بل إنها تسقط معنا فنعود الى ما نحن فيه ثانية.

 

 في بداية العقد الأخير من القرن الماضي، كانت حيواتنا الجميلة تتتابع اسبوعيا وتنعقد عند «أبي أحمد» (مكان في وسط عمان) يحتمل أن يكون تجريدا فنيا لكل صاحب مقترح جمالي، ويمكن ايضا أن يجمع المقموع مع الثائر مع العبثي في ليلة واحدة، ملأى بالاعترافات والدموع التي لا نعرف لها تسمية.

 

كنا ثلاثة نضحك وفجأة بكى الرابع، بكى واهتز جسده «الهرقلي»فقال صديقنا المغرم بشعر المقاومة «الجبال لا تبكي»فقلنا له: إن كانت الجبال لا تبكي فمن أين تجيء الينابيع؟

المهم في ما أسرد هو استغراب العرب من بكاء الرجال، رغم انهم من الناحية البيولوجية يملكون عيونا وقنوات دمع، مثلهم في ذلك مثل النساء، ويستطيعون ايضا ممارسة هذا الفعل الإنساني النبيل.

 

البكاء نبيل ولكن السؤال على من؟ هل يبكي العربي على حريته، أم على جملة من الاحتلالات التي «تكوبست» في حياته؟ أم يبكي على امرأة قال عنها طيّبة فإذا بها حية تسعى؟ أم على أب أو أخ أو صديق فارق الحياة في سن غير مناسبة برفقة الموت الذي لا يبرر ضرباته مهما كانت موجعة؟

 

البكاء نأي عن لعبة التماسك المفتعلة، وربما كان بكاء صديقنا الرابع مجرد استشراف لما حدث بعدها من ضربات طالت الاصدقاء الاربعة، من دون أن تبرّئ ساحة صديقنا المغرم بشعر المقاومة الذي قدر له أن يكون اكثرنا بكاء خصوصا انه صار يبكي بوجهه كله، ولم يكتف بقنوات الدمع المزوية تحت العينين.

 

على نحو مفاجئ قد نبكي، وقد ننسى في غمرة هذا النشوة المالحة ملامح الوجه الجامد أو الوجه المقدود من قسوة الجبال، والذي يبرز قوة السيطرة الذكورية في المجتمع ونبدله للحظات تتيح لنا أن نتذوق القيم الانسانية، لنحس بمرارة الفقدان والحرمان، من خلال اطلاق ما يختبئ في دواخلنا من خوف أو ذكريات خاصة أو عامة، مثل تلك الذكريات التي تحدث عنا يونغ حين كون فكرته عن«الوعي الجمعي»الذي يتجول في التاريخ ليؤكد لنا بما لا يقبل الشك، أن البكاء الذي نزدريه  ليس ضعفا، وإنما هو اللغة الأولى للإنسان وقد تكون الأخيرة مهما بلغ بأسه.

 

 

zeyad_alanani@yahoo.com
تويتر