حضارة البطر

عادل محمد الراشد

  
أزمة الأرز وصلت إلى الولايات المتحدة الأميركية. قلعة الرأسمالية العالمية وجدت نفسها مضطرة للتنازل عن بعض المبادئ لضمان أمنها الاستهلاكي.

وأزمة الجوع اتسعت رقعتها على الخريطة العالمية، ونُذر المجاعة صارت تهدد قطاعات واسعة من البشر، منها دول بأكملها لا يُستثنى فيها غير القليل من القطط السمينة التي بنت شحومها على حساب السواد الأعظم من الشعوب التي تحولت إلى هياكل تجد الوجبة ولا تدري عن مصير التي تليها.


فبين مليارات البشر الذين يسكنون الأرض تقدّر المنظمات الدولية عدد الجائعين بأكثر من 750 مليون إنسان. هؤلاء ليسوا فقراء بل جياع لا يجدون ما يسدون به رمقهم إلا بما يرمى عليهم من بقايا موائد السمان.


وبعد الجياع يأتي الفقراء بأرقام مضاعفة تكاد تشكل النسبة العظمى من سكان الأرض، وبعدهم مساحة كبيرة تكاد تكون فارغة لا يسكنها إلا القليلون من مواطني الدول الصناعية، وهم أصحاب الطبقة الوسطى. وبعد هذا الفراغ المخيف تأتي طبقة علية القوم المتمترسين بالرأسمالية وأنيابها القاطعة، التي لا تتنافس في ما بينها، وإنما تنظر الى ما في أيدي الشعوب الفقيرة من ثروات وخيرات ظاهرة على الأرض أو مدفونة تحت الأرض، وتبحث عن وسائل لتستولي عليها، ثم تتصدق على أصحابها بفضلاتها.

 

أزمة الغذاء التي تثير أعصاب العالم الآن، جعلت رئيسة وزراء دولة صناعية وزراعية متقدمة وغنية مثل ألمانيا، تنتقد دولة يزيد سكانها على المليار إنسان نصفهم تقريبا من الفقراء، مثل الهند، لأنها حددت كميات الأرز المصدرة للخارج لضمان تلبية الطلب الداخلي وميزان الأسعار فيها، بكل ما يعني الأرز من أهمية كغذاء رئيس للهنود. فتستكثر انجيلا ماركل على الهنود أن يفكروا بالوجبة الثانية أثناء تناول وجبتهم الأولى. فكأنما كتب على الفقراء ألا يفكروا إلا في ما بين أيديهم، وإن كان من خير بلادهم، بينما للأغنياء كل الحق أن يحصلوا على خمس وجبات في اليوم بدلا من ثلاث، وذلك سيراً مع نصائح أطباء التغذية والتجميل الذين أصبحوا من ضرورات سكان المناطق الغنية، في ما يفتقد فقراء العالم أدنى حدود الرعاية الصحية والاجتماعية بعد الغذائية. عالم يزداد بطراً كلما ازداد «تحضراً».   

adel.m.alrashed@gmail.com
تويتر