 |
|
نفهم من مصطلح «الفيلم الطليعي»، وأصله من الفن التشكيلي، كل تلك التجارب والأبحاث السينمائية المتطرفة، التي حققها فنانون فرنسيون وألمان في الفترة الواقعة بين عام 1918 وعام 1930، لكنه ينسحب أيضا على إنتاج سينما الحركات المعاصرة المتأخرة.
في بداية العشرينات بدأ رسامون كفاح الفيلم الطليعي، وعارضوا التقاليد المهيمنة في الإنتاج السينمائي التجاري، وبحثوا في أفلامهم، في وسيط السينما كفن بصري مستقل.
وانضم إليهم، بعدئذ، شعراء وكتاب ومخرجون منظرون، ساهموا في تحقيق أفلام طليعية، اتخذت مواقعها المميزة في تاريخ السينما وأصبحت من بين الأفلام الكلاسيكية المهمة.
كان ممثلو تيار هذه السينما في المانيا الرسامين فيكنغ ايغلنغ وفالتر روتمان، أما في فرنسا فتأسست تيارات تجريبية كثيرة، منها تجارب أولى، تدين بالفضل للمدرسة الانطباعية والدادائية مثلها ابيل غانس وجيرمان دولوك وجان ابشتاين وجان روينوار.
ومنذ عام 1925 أخذت «السينما الصافية» نتيجة لأعمال الرسامين الألمان، والسينما التجريدية، نتيجة لأعمال دولاك وفيرناند ليجيه، شكلا غير سردي، واكتشفت السريالية، في هذه الفترة، أهمية السينما، وحققت في أفلام مان راي ورينيه كلير ودولاك وجاك بريفير وجان كوكتو وسلفادور دالي ولويس بونويل وجان فيغو، تصورات سريالية مدهشة. وتابع الألماني اوسكار فيشنغر، في بداية الثلاثينات،
عمله على تطوير «الفيلم التجريدي»، بينما تحول فالتر روتمان في فيلمه الطويل «سيمفونية برلين» إلى الفيلم التسجيلي الاجتماعي، وفق مبادئ جمالية الفيلم الطليعي.
كذلك ابتعد بقية المخرجين عن القصة والحبكة الواقعية السائدة في الفيلم الروائي، وجربوا، عن طريق الصورة، اكتشاف جمالية الحركة والمتناسقات البصرية، واستطاعت أفلامهم، عن طريق «عصا الساحر الموجودة في كل كاميرا»، وهي تغوص في عالم الحلم والحياة، التوغل في غابة عوالم متخيلة، تمتزج فيها الرؤية البصرية والموسيقية.
لقد سارت كل هذه التيارات، بجهود منظريها، في نزع الواقعية عن الواقع، وتحويله إلى حلم، وفقا لـ«علامات» تنتزع من حيزها المادي، وتعبر عن دلالات بصرية مبتكرة، لأنها ارتأت، أن من العبث تقديم نسخة مطابقة لعالم، يمتثل أمامنا.
وهكذا استطاعت الأرض البكر السينمائية، التي حرثها الطليعيون، في النهاية، أن تفتح أمام السينما التجارية آفاقا واسعة، ومثلما يحصل، عادة، في بقية الفنون، فان تطور الموضوعات والأساليب الفيلمية، ارتبط أيضا باكتشافات الحركة الطليعية.
في ختام مقدمته في كتاب «السينما التجريبية»، يجد الباحث الكبير جان ميتري، انها تعني كل أنواع تجربة مختبر السينما الطليعية: من الفيلم التجريبي إلى الفيلم السريالي إلى فيلم «تحت الأرض»، ويبين، كيف حاولت هذه السينما اكتشاف فنها الصرف، وتخليصه من كل ما لم يكن فيلميا، إلا انها، ساهمت،أيضا، في جر الفيلم إلى تكوينات فن الرسم والى فن الموسيقى، وطبقت في تجاربها كل ما كان غريبا على «فن السينما».
يكتب ايزنشتين: «يتمثل احد الأخطاء في أن تنقل من احد فروع الفن إلى فرع آخر منه، نتائج عملية تنطبق على احدهما... وانه لخطأ عميق أن يفرض على فن من الفنون تبني قوانين خاصة بفن آخر».
alzubaidi@surfeu.de
|
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news
Share
فيسبوك
تويتر
لينكدين
Pin Interest
Whats App