اغتراب مزو
|
لا أحد يفهم بسهولة ويسر كيف يختار بعض المبدعين العرب العيش ضمن اغتراب انتسابي في مدينة عربية أو أجنبية، ثم يكتبون من «منفاهم» نصوصا ومعلقات ملأى بالوجع ومثقلة بالأحزان، تزاحم كتاب المنفى الفعليين الذي فقدوا فسحتهم الجغرافية بحق، فوجدوا أنفسهم في جهة فرضت عليهم حالة من التناقض بين الأنا والآخر بكل تبعاتها الروحية والإنسانية.
قد نفهم ونتفهم تعددية مصطلح الاغتراب الذي قد يجيء على نحو «جيوسياسي» أو يكون مرتبطا بالهجرات العالمية.
وقد نفهم الاغتراب الذي تفرضه الظروف الاقتصادية السيئة للوطن الأصلي، وقد نفهم ايضا بعض التحولات بين ميكانزم الانتماء وميكانزم الاغتراب، كما هو الحال مع شعراء المغرب العربي وكتابه.
ولكن كيف نفهم بعض الكتاب العرب الذين يصرون على افتعال جملة من المآزق الوجودية ورسم حالة من أدب الاغتراب، كانت تسمى في بداية القرن العشرين «أدب المهجر» ممثلة بجبران خليل جبران، وميخائيل نعيمة، وأمين الريحاني، وعبدالمسيح حداد، وغيرهم وإبداعاتهم التي لم تكن محفوفة بالاعلام الترويجي والميديا المزورة فعاشت تسمية المهجر من غير أن تستثمر صورة الاضطهاد المركبة؟
بالعربي ، كيف نضم شاعرا خرج من بيته الى سفارة معنية ثم حصل على تأشيرة مؤطرة بأختام كثيرة وشهادات حسن سلوك، لا تشي بأنه من المولاة أو المعارضة الى شعراء المنفى، ونبلع خسة اللعبة، من غير أن نتوقف عند تسمية العرب القدماء لمن عنَّ له أن يغرب بالقول «غرب» أو «شرق» سعيا وراء الكلأ، أو وراء فضاء آخر خصوصا أن العرب قد بينوا أن اختيار البديل يقع على مسؤولية «المغرب»، أو «المشرق» على حد سواء.
بصراحة تامة ثمة شعراء كثر شرقوا وغربوا بإرادتهم ثم تحولوا الى سياسيين ومضطهدين، وهم في الأصل بلا أي سجل سياسي، ولكنهم انخرطوا تماما في لعبة لها مباهجها وأمجادها واستحضروا أزمة الانشطار الروحي، وراحوا يتحدثون عن الوطن الأم، مستبعدين تماما حقيقة انهم نفروا منه وتحولوا عنه وبدلو به، مثل قميص، عسل البلاد الجديدة التي صارت هي الأخرى ضمن تسمية المنفى، من غير أن يخطر ببالهم أن لعبة الاغتراب اللحظوي هذه، صارت مكشوفة وممجوجة سواء ولدت بينهم أو جاءت مستولدة.
ثمة شعراء عرب يتسفعون الآن على شواطئ الغرب.. يستمتعون .. ويكتبون وهذا حق من حقوقهم لا نزاع فيه، ولكن المصيبة انهم يقرنون بين كتاباتهم والاغتراب وإشكالياته المتعددة، في صورة بعيدة جدا عن البراءة، قد تأخذ صورة الضحية أو صورة البطل الساعي الى تحرير البلاد والعباد، عبر دينكشوتية غبية ومكررة . |
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news