من المجالس

عادل محمد الراشد

 
لم يكن معجون الفواكه المعبأ في زجاجات أنيقة قد وصل الى المنطقة من غرب الأطلسي، يوم كان كاتب هذه السطور يحبو على أربع. فقد كان الجود من الموجود، ولكنه كان «فريش»، وكانت عجينة الفواكه تصنعها يدا الوالدة بما توفر. وعندما كبرنا قليلاً حسدنا من جاء بعدنا كلما رأينا هذه الزجاجات في أيدي الأمهات يطعمن منها أطفالهن بمنتهى النظافة، ويدعون لجهات المنشأ بأن يسّهل الله عليها كما سهّلت عليهن.
 
وسيراً مع الزمن الجاهز، والمجتمعات المعلبة، وأخذاً بالتساهيل على طريقة الحياة المستوردة، حرصنا أن نقدم لأطفالنا ما حرمنا منه، فجرينا، ولا نزال، لشراء الجاهز والأخذ بالسريع، وبنفس متعالية غادرت تواضع الأمهات السابقات قائلين: «عندنا الفلوس وعندهم العروس» !!

وأحسب أنه بعد نشر صور وأسماء السلع الأميركية المسرطنة التي تسجل حضوراً قوياً في أسواقنا، صار القلق سيد الموقف، وصار مَن حرمه الزمن في السابق محظوظاً الآن، وصرنا نتحسس أجساد أطفالنا، تملؤنا الهواجس، وتنال منا الأسئلة، ونعصر معها الذاكرة: هل أكلوا ذلك المعجون اللذيذ .. وكم مرة؟ هل اغتسلوا بذلك «الشامبو» والى أي مدى؟ هل شمّوا تلك المحاليل .. ومتى؟ فقد صار البترول الذي هو سبب رخائنا سبباً لقلقنا، لأننا نظن أن السيارات والآليات وحدها التي تسقى منه، فإذا بـ «الأصدقاء» يسقوننا ويطعموننا منه ويغسلون أجساد صغارنا به. أين المشكلة؟ هل هي في أولئك القوم الذين «ما يخافون الله» أم فينا نحن الذين فقدنا حتى تلك اليد البسيطة التي كانت تحضّر عجينة الفواكه لطفلها؟ ما لم نصنع ما نأكل لن نأمن على صحتنا وسلامة أطفالنا.

وما لم نصنع ما نستخدم فلا مجال أمامنا لأن نهنأ بما نعتقد بأنه «بفلوسنا». لا نريد الآن أن نصنع الطائرة والصاروخ والسيارة والحاسوب، فذلك قفز في الهواء بلا أجنحة. نريد أن نرى منتجاتنا مما نتغذى عليه، وما نغتسل به، وما ننظف بيوتنا به، وما نلبس ونُلبّس أطفالنا منه. فبعد الأمن الغذائي صار الكلام عن الأمن الصحي القادم مع الغذاء و الدواء والكساء .. وحتى التجميل. و بالتأكيد لايزال في القائمة مزيد. 
 

adel.m.alrashed@gmail.com
تويتر