مخلفات عضوية وصناعية تلوث خور دبي

      
كشفت دراسة دكتوراه أعدها مدير إدارة المشروعات البحرية في هيئة الطرق والمواصلات الدكتور خالد الزاهد أن «خور دبي يعاني من التلوث في المنطقة الممتدة من جسر القرهود حتى محمية رأس الخور».

الامر الذي عزاه رئيس شعبة البيئة البحرية والمحميات في بلدية دبي محمد عبدالرحمن الى عوامل إنسانية، مثل مياه الصرف الصحي والنفايات الناتجة عن السفن. وقال الزاهد إن «هذا الجزء من الخور في حال احتضار بسبب تشبعه بملوثات عضوية وصناعية تزيد ست مرات على حجم الملوثات في مياه دبي، و90 مرة على المياه الإقليمية للدولة بالكامل، و66 مرة على المياه الخليجية»، وفقا لمراجع وإحصاءات عالمية ونتائج رسالة الدكتوراه.


وعزا اختياره دراسة خور دبي في رسالة الدكتوراه إلى ما يمثله الخور من أهمية كبرى للإمارة، نظرا لتعدد المشروعات العقارية والسياحية عليه، إضافة إلى مشروعات النقل البحري «الأمر الذي يستدعي التوصل إلى حلول عملية وسريعة للحفاظ عليه بأقل نسبة من التلوث»، ووفقا للدراسة، فإن من الممكن تقسيم خور دبي إلى جزأين، تبعا لحجم الملوثات وجودة المياه فيه ودرجة حرارتها وحركة الرمال الموجودة في القاع والتركيب الكيميائي للعناصر الموجودة في الماء.


ويمتد الجزء الأول من مدخل الخور حتى جسر القرهود. وهو يشبه «القناة» ولا يزيد اتساعه على 100 إلى 250 مترا، وتتمتع هذه المسافة- وفقا للزاهد- بتيارات مائية متجددة وحركة مياه دائمة، ما يقلل نسب التلوث الموجودة فيه، على الرغم من وجود مرسى المراكب التجارية وما تخلفه من بقع زيتية ومخالفات وقود. أما الجزء الثاني، فهو الممتد من جسر القرهود حتى محمية رأس الخور.  ويأخذ هذا الجزء شكل بحيرة، إذ يصل عرضه إلى كيلو و200 متر، إضافة إلى قلة تياراته المائية التي تصل أحيانا إلى الركود. 

ولفت الزاهد الى أن جودة المياه في الجزء الأول «القناة» تتشابه مع جودة مياه الخليج في دبي «إذ لا تزيد نسبة ملوثات النيترات التي تضم (النترات والفوسفات والأمونيا) فيه على مليغرام في اللتر الواحد بسبب تجدد مياهه وتنوع الحياة البحرية فيه واحتفاظ المياه بلونها الطبيعي».


وتابع: «أما القسم الآخر من الخور، ففيه مصبات عدة للمياه، معظمها ليس له دور في التلوث، لأنها مصبات للمياه الجوفية والأمطار، لكن وجود مصب العوير الرئيس لمياه الصرف الصحي في هذه المنطقة هو الفاعل الرئيس في تشبعها بالملوثات. إذ يلقي يوميا بحسب إحصاءات 2006 ما يزيد على 100 ألف متر مكعب من مياه الصرف التي تحمل معها ملوثات النترات بتركز 22 مليغراما في اللتر، والفوسفات بتركز 11 مليغراما في اللتر. وهي الملوثات الأكثر خطورة على الحياة البحرية، إذ يؤدي تراكمها في قاع الخور إلى تناقص نسب الأوكسجين بشكل متدرج بحسب عمق مياه الخور البالغ سبعة أمتار إلى درجة وصلت إلى الانعدام التام لوجود الأوكسجين في المتر الأخير من العمق، إذ تنعدم  فيه الحياة البحرية «الحيوانية والنباتية» تماما.


 كما أن الأحياء البحرية الموجودة في الأمتار الستة الباقية قليلة جدا، لا تتعدى ثلاثة أو أربعة أنواع، ما يلغي وجود التنوع البيولوجي والسلسلة الغذائية في هذه المنطقة.
والمشكلة أن أطنانا عدة من هذه الأحياء، خصوصا الأسماك، تموت سنويا بسبب هذه الملوثات.

 

وهناك أشخاص ممن يصطادون في هذه المنطقة، تعرضوا للتسمم نتيجة لذلك، لافتا إلى أن «نوعية الأسماك التي تستطيع التكيف مع نسب الملوثات هذه تمثل خطراً على صحة الإنسان الذي سيتناولها، لأنها إن لم تؤد إلى تسممه، ستتسبب في تراكم تأثير هذه الملوثات في جسده وإصابته بأمراض عدة وانتقال هذه الأمراض إلى الأجيال القادمة بالوراثة».


وتابع: «ما يزيد الأمر سوءًا هو عدم اقتصار الملوثات على هذين العنصرين، فهناك عناصر ناتجة عن البقايا الصلبة للمشروعات في منطقة الجداف، مثل عنصري الزنك والزئبق (وفقا لدراسة أجريت في 2005) وما يحملانه من تهديد عال لصحة الإنسان الذي يتغذى على الأحياء البحرية من هذه المنطقة».

وقال الزاهد إنه أجرى اختبارا على عينات من مياه الخور، كشف أن نسب التلوث العالية الموجود في القسم الأخير من الخور «البحيرة» تسببت في إيجاد نوعيات من البكتريا والطفيليات البحرية التي تفسد الماء وتصدر روائح كريهة منه، وهذه البكتريا تنقسم إلى نوعين، يتسبب الأول في تغيير اللون الطبيعي للماء من الأزرق بدرجاته إلى الأخضر في فصل الصيف، والأحمر في الشتاء. كما أدت إلى تزايد نسب الكلوروفيل التي تساعد على نمو مزيد من الطحالب البحرية التي تستهلك نسب الأوكسجين الموجود في الماء.

 

حلول مقترحة

ورأى الزاهـد أن الحل الأمثل لتقليل نسب التلوث المتزايدة في الخور موزع على مرحلتين، يجب الحرص على تنفيذهما في أسرع وقت.

 

 الأولى: استخدام تقنية المعالجة الثلاثية لمياه الصرف الصحي في محطة العوير، لأن من شأن ذلك تقليل نسب الملوثات بشكل كبير جدا بدلاً من المعالجة الثنائية التي تستخدم حاليا.


 والثاني: إزالة طبقة سمكها 50 سنتيمترا من الرمال الموجودة في عمق الخور، تترسب فيها بقايا الملوثات العضوية.

وأكد أن تنفيذ هذا الحل سيرفع نسب الأوكسجين في عمق الخور من صفر إلى اثنين أو ثلاثة مليغرامات في اللتر خلال عام من بدء التنفيذ، وفقا لنتائج اختبار أجرته من خلال برنامج رقمي عالمي تستخدمه الدول المتقدمة كافة. وأضاف الزاهد أن «تكلفة إضافة تقنية المعالجة الثلاثية تصل إلى 300 مليون درهم تقريبا. وهي تكلفة لا تتساوى مع حجم المنافع التي سيعود بها تقليل نسب التلوث في الخور على إمارة دبي، ومنها التنوع البيولوجي في أنواع الأحياء البحرية، وعودة المياه إلى لونها الطبيعي وانعدام الروائح الكريهة في هذه المنطقة، وتفادي موت أطنان من الأسماك سنويا». 

من جهته، قال رئيس شعبة البيئة البحرية والمحميات في بلدية دبي محمد عبدالرحمن إن هناك عوامل مؤثرة في الخور بشكل عام هي شكل الخور وطبيعته، وعوامل أخرى مرتبطة بتجدد مياهه، مشيراً إلى أن أهم مصادر تلوث الخور ناتج عن عوامل إنسانية مثل مياه الصرف الصحي والنفايات الناتجة عن السفن، لافتاً إلى أن تعرضها للملوثات ناتج في الأساس عن كون الخيران بطبيعتها تشكل قلب المدينة، حيث تتركز عليها جميع الأنشطة الاجتماعية والسياحية.


وأوضح عبدالرحمن أن بلدية دبي تبذل جهوداً كثيرة في سبيل حل مشكلة تلوث الخور، وتحسين نوعية مياهه، ومنها تحويل مسارات مياه الصرف الصحي التي تصب في  الخور بحيث تستغل في مشروعات أخرى مثل تشجير المدينة. لافتا إلى أن البلدية وضعت أنظمة وقوانين تحكم الآثار البيئية الناتجة عن المشروعات الجارية والتي يعود أغلبها بآثار سلبية على الخور.

 

أما مدير إدارة الصرف الصحي في بلدية دبي طالب جلفار فأكد أن محطة العوير لمعالجة مياه الصرف الصحي تقوم بالمعالجة الثلاثية للمياه. لكنها تعمل بضعف طاقتها بسبب وجود ضغط شديد عليها، ما يؤثر في جودة المياه في النهاية، وينعكس سلباً على مياه البحر. ولفت إلى أن البلدية تجري حالياً توسعات في تلك المحطة، بهدف زيادة طاقتها الاستيعابية بنسبة 30% عن طاقتها الحالية.  


وأكد أن المشكلة يتم وضع الحلول لها من خلال إنشاء محطات جديدة لتخفيف الضغط عليها، إضافة إلى أنه خلال العامين المقبلين وفق التقديرات، سيتم استخدام تلك المياه المعالجة في عملية زراعة وتشجير المدينة، خصوصا أنه سيتم إنشاء ثلاثة ملاعب غولف  في دبي قريباً وبطبيعة الحال ستحتاج إلى كميات كبيرة من المياه.

 

تويتر