قوة الفقراء

جورج فهيم

 
من العقارات إلى السيارات والملابس.. ومروراً بالخدمات المصرفية والصحية والتعليم.. كل شيء يبدو مفصلاً بالمقاس حسب رغبات واحتياجات الأغنياء، وكأن الفقراء لا يسكنون ولا يأكلون ولا يلبسون ولا يمرضون ولا يوجدون على هذه الأرض من الأساس.

وفي الحقيقة فإن النظام الاقتصادي العالمي يظلم الفقراء الذين يدفعون ثمنا يبلغ أضعاف ما يدفعه الأغنياء للحصول على أبسط الخدمات مثل: المياه والكهرباء والغذاء بل وحتى القروض، ما جعل الاقتصاد العالمي عملاقاً تنوء قدميه عن حمله. ومن المؤكد أن خدمة الفقراء ليست من الموضوعات والقضايا التي تتصدر اهتمامات الشركات والمستثمرين ورجال الأعمال.

ولكن يبدو أن كل ذلك على وشك أن يتغير الآن مع بزوغ فجر قوة الفقراء، فوفقاً لدراسة أعدها البنك الدولي فإن القوة الشرائية المجمّعة للفقراء تصل الآن إلى ما يزيد على 14 تريليون دولار سنوياً، وهذا يعني ببساطة أن النمو في ظل حالة الركود التي تصيب الاقتصاد العالمي سيأتي من خلال الفقراء، والشركات التي تنجح في فهم هذه الحقيقة لن تتمكن فقط من زيادة حصصها في الأسواق، وإنما دخول أسواق جديدة وتطوير فرص جديدة للنمو وزيادة الإيرادات والأرباح.
 
ويرى الخبير الاقتصادي العالمي البروفيسور، سي كي براهالد، وهو واحد من أهم الخبراء العالميين في مجال استراتيجيات الشركات، أن نظام الأسواق العالمي موجّه الآن بالكامل لخدمة مليار نسمة فقط من الأغنياء وأبناء الطبقة الوسطى، بينما يقبع خمسة مليارات نسمة من الفقراء من بين سكان العالم البالغ عددهم ستة مليارات نسمة خارج حسابات الشركات.
 
ليس فقط من حيث ابتكار السلع والخدمات التي تلبي احتياجاتهم ورغباتهم، وإنما من حيث التوزيع والدعاية. وللأسف الشديد فإن أغلب مديري الشركات يعتقدون أن ضعف القوة الشرائية للفقراء تعني أن المجتمعات الفقيرة جثة هامدة ولا مجال للحديث عن فرص للربح فيها، دون الالتفات إلى أثر القدرة الشرائية المجمّعة الهائلة التي تمتلكها هذه الطبقات، التي تمثل أكثر من 80% من إجمالي سكان الكرة الأرضية.
 
ومن حسن الحظ أن بعض الشركات، وبصفة خاصة، في مجال الاتصالات بدأت تدرك أن الأسواق الفقيرة قد تفوق في أهميتها الأسواق الغنية، وأن الجائزة الكبرى ستكون من نصيب من يستطيع تطوير سلع وخدمات مخفضة التكاليف تلبي احتياجات الأسواق الفقيرة، وتوزيعها من خلال القنوات المناسبة وبطرق سداد مريحة. وفي الواقع فإن هناك أمثلة عديدة على هذا الفكر الجديد، فقد استطاع بنك «جارمين» المتخصص في إقراض الفقراء.
 
الذي أسسه البروفيسور محمد يونس في بنغلاديش، أن يمد نشاطه إلى 70 دولة، وأن يخلق نموذجا للأعمال اضطرت المؤسسات المالية العالمية لتقليده، وحصل نتيجة لذلك على جائزة «نوبل»، ليس فقط لأنه ساعد الفقراء، وإنما لإثباته أن الشركات يمكن أن تكون شريكة للحكومات، وأن القضاء على الفقر مسؤولية مشتركة للجميع. 

georgefahim_63@hotmail.com

تويتر