المشاركة أم المقاطعة؟!

سامي الريامي

 
يدور جدل لا آخر له بين المثقفين والنقابات العربية من أجل الاتفاق على مقاطعة المشاركة في معرض فرنسا للكتاب، والمزمع إقامته في باريس خلال الفترة من 14 إلى 19 من الشهر المقبل، وذلك بعد أن أعلنت فرنسا عن استضافة إسرائيل كضيف شرف في المعرض الذي تدعمه الخارجية الفرنسية، وينطلق في الفترة نفسها التي «تحتفل» فيها الدولة «العبرية» بقيامها.
 
أسباب العرب «منطقية» ومعروفة، فهذه الاستضافة تعني بالتأكيد تحدياً سافراً لا مبرر له لمشاعر الملايين من أبناء الشعب الفلسطيني الذين تعرضوا ومازالوا يتعرضون خلال أكثر من نصف قرن لأبشع أنواع الاحتلال، ولإهدار حقوقهم الأولية في شكل غير مسبوق أو مشهود. كما أن استضافة إسرائـيل هي بمثابة مكافأة للمعتدي والمحتل على وحشيته، وتحد للرأي العام في جميع أنحاء الوطن العربي، في ضوء ما تمارسه إسرائـيل على قطاع غزة من حصار وحشي غير إنساني واعتداءاتها المتكررة عليه.
 
جاء ذلك في الوقت الذي كان يتوقع فيه العرب من الفرنسيين أن يكونوا أكثر نصرة لمبادئ الحرية وحقوق الإنسان، وأن يكونوا أكثر موضوعية وأكثر عدلاً وأكثر صلابة في حماية هذه المبادئ، آخذين في الاعتبار ما لبلادهم من مواقف تاريخية تؤكد هذه الموضوعية في ما يتعلق بالصراع العربي- الإسرائـيلي!  وبالتأكيد لا يوجد اختلاف أبداً على صحة وجهة النظر السابقة، ولكن قبل اتخاذ أي ردة فعل عربية تجاه المعرض الفرنسي الذي يعد أحد أشهر معارض الكتاب العالمية، هل لنا أن نزن الأمور بميزان «المكاسب والخسائر»،بمعنى هل قرار المقاطعة سيحقق النتائج الإيجابية المرجوة من اتخاذه؟ ومن المستفيد أكثر من قرار كهذا، نحن العرب أم الإسرائيليون؟

أعتقد، ومن وجهة نظر شخصية، أن المقاطعة هنا ما هي إلا هروب من فرصة تاريخية أعطيت لنا لشرح القضية الفلسطينية، والاستفادة من الإعلام الغربي المتوافد على المعرض، والإقبال الجماهيري الكثيف المتوقع لفضح الممارسات الإسرائيلية البشعة، وتعرية الصورة المغلوطة التي تصل إلى الغرب عن هذا الشعب «المسكين» و«المغلوب على أمره» المحاط بغابة من العرب الأشرار.
 
المشاركة بمعارض صور عن غزة ومآسيها وكوارثها، وإقامة الندوات، وطباعة الكتب والكتيبات والبروشورات، وتوزيع الملصقات والمطبوعات التي تكشف الفظائع الإسرائيلية في اعتقادي أبلغ بكثير من الانسحاب والمقاطعة التي لن تعني في النهاية شيئاً للرأي العام الفرنسي، ولن تغير وجهة نظر رجل الشارع المشحون بمعلومات «إسرائيلية» كثيفة، وهذا يعني انتصاراً ثقافياً جديداً منحه العرب لإسرائيل على طبق من ذهب ودون مقابل! 

يقول الروائي والكاتب جمال الغيطاني في تعليق له على الموضوع:«المقاطعة نوع من أنواع الهروب والانهزام، ونحن إن فعلنا ذلك نفسح المجال أمام إسرائيل، وكنت أتصور أنه من الأفضل سفر رئيس اتحاد الكتاب في وفد يضم بعض الكتاب والصحافيين والقيام بالتظاهر هناك، وتنظيم وقفة احتجاجية، عارضين صور الأطفال الفلسطينيين والمجاعة في غزة، وفضح ممارسات وانتهاكات الكيان الصهيوني.

وأعتقد أن المعرض فرصة يجب ألا نفوتها، خصوصاً أن ظروف البلد هناك تسمح بممارسة فعل التظاهر والاحتجاج من دون قيود». أخيرا لابد من الاعتراف دائما بأننا «أصحاب أعدل قضية، وأفشل محامين»!  

reyami@emaratalyoum.com
 
تويتر