الرسوب المدرسي

د. أحمد الإمام

 
سألني العديد من الآباء والأمهات عن جدوى تكرار الفصل الدراسي في حال رسوب الطفل بالانتقال إلى المستوى الأعلى في مراحل الدراسة الابتدائية. أنتهز هذه المناسبة للتعبير عن حبوري  بالتواصل مع القراء، وكل الذين يُثرون الحوار بطروحاتهم المركّزة، لتعميم الوعي بجوانب الصحة النفسية، والتدخل التربوي والتقويم المدرسي والأمن المجتمعي والتنمية الذاتية؛ وهي محاور البرنامج الإذاعي والمقالات الأسبوعية.

كما أخبرت المستمعين، فإنني أؤكد من موقع تخصصي أن العديد من الدراسات الميدانية تبين عدم جدوى اللجوء إلى إجراء تكرار الفصل الدراسي في حال معاناة التلميذ بعض الصعوبات التعليمية، وذلك نظراً لكون السبب الرئيس لتراجع التحصيل المدرسي ناتج عن عدم اكتساب الطفل لبعض المهارات المعرفية، أوتأخر نمو كفاءاته الذهنية التي تحتاج إلى تحفيز وإثراء خاصين.
 
وقد لاحظنا أن الطفل الذي يكرر، يستمر بالصعوبات نفسها التي تتفاقم رغم نجاحه؛ حيث يعتاد تعويض نقصه في مادة معينة بالتمويه عنها، وتفادي الجهد الذهني لاكتساب المهارة أوالكفاءة المطلوبة؛ وهذا أمر سلبي في حد ذاته، حيث إن الطفل سيكبر مقتنعاً بأنه ضعيف في الرياضيات مثلاً، التي سيبتعد عنها حياته كلها، أو أي مادة أخرى لغوية أوحفظية، ناهيك عن الآثار النفسية على تقديره لذاته وشعوره بالدونية أمام أقرانه.
 
أكبر عيب في إجراء التكرار كوسيلة تربوية لتصحيح النقص في اكتساب المعلومة الملقنة، هو أن هذه الطريقة تفترض أن الطفل سيتعلم بوضعه في الظروف نفسها بتكرار عملية التلقي، بينما يتم إغفال معالجة مصدر الخلل، الأمر الذي يزيده ترسيخاً. عندما نأخذ بالاعتبار التكلفة المالية لإجراء التكرار، فإنها جدّ مرتفعة، ولا تؤدي الأغراض المرجوة؛ لذلك صدرت التعميمات الرسمية في كثير من الدول بمنعه في السنوات الثلاث الأولى، أو خلال الدراسة الابتدائية برمتها.
 
ينبغي العلم أن وتيرة النمو النفسي ـ الحركي، وكذا سيرورة النضج الذهني تختلف من طفل إلى آخر، وبالتالي فإننا نعتبر مرحلة الدراسة الابتدائية فترة نمو ونضج مستمرة لايجوز تجزيئها؛ كما أن الحلول المعتمدة تقوم على إنشاء نظام تعليمي يسمح للطفل بأن يتعلم حسب طاقاته المعرفية وتنظيم حصص مخصصة لمعالجة الصعوبات المكتشفة لدى الأطفال، على أساس أن يصل الجميع إلى نهاية المرحلة الابتدائية بعد ست سنوات من الدراسة.
 
كما ننوّه بأن عملية توظيف عدد محدود من المعلمين المتخصصين في دعم مهارات الأطفال أقل تكلفة من دفع رسوم سنة كاملة مكررة، أو ملء مقعد مدرسة حكومية سنة إضافية، ما يضطرها إلى بناء مدارس أكثر وزيادة عدد الفصول لاستيعاب أعداد المواليد الجدد الذين يصلون إلى سن الدراسة النظامية.
 
أما بخصوص بعض حالات اضطرابات صعوبات التعلم أو الاختلالات المرضية التي قد تصيب الطفل، فالحلول الجذرية تتطلب إنشاء مؤسسات متخصصة بحسب نوعية الاضطراب، وتسييرها من طرف أطر مؤهلة لذلك.
 
نصيحتي إلى كل الآباء والأمهات أن يختاروا المدرسة التي تسعى إلى تكوين مهارة الطفل ودعم كفاءاته ومساعدته على اكتساب المعلومة، وزرع حب الاجتهاد وتسخير طاقاته للتعلم، والتغلب على الصعوبات وليس تفاديها أو التمويه عليها بالحصول على علامات لا تعكس مستواه المعرفي الحقيقي، أو تنفيره من طموح المثابرة والتحصيل؛ كما أن التعاون بين الأهل وكل الأفراد القائمين على تربية وتعليم الطفل مهم للتعامل بروح البناء الإيجابي والسعي لإيجاد السبل الكفيلة بضمان ظروف ملائمة لاكتساب المعرفة والتعلم
تويتر