اندحـــار الصــــــور

زياد العناني

يثير الباحث محمد اسماعيل في  كتابه «الصـــورة والجسد ـ دراسات نقدية قي الاعلام المعاصر» الصادر أخيرا عن مركز دراسات الوحدة العربية ماهية العلاقة بين  الجسد والصورة ويتساءل هل ثمة علاقة بين «صور»

الأجساد النازفة التي تتلوى من الألم على الفضائيات الاخبارية في فلسطين والعراق، وبين «صور» الأجساد شبه العارية التي تتأوه من لذة النغم على الفضائيات الترفيهية؟ ومن يملك انتاج هذه الصور؟

ولأي هدف؟ ولماذا يزدهر اعلام القنوات الدينية والغيبيات على الشاشات متزامنا مع صعود ثقافة الصورة وتداعي ثقافة الكلمات؟ ويسجل للباحث جهده اللافت في جمع هذه الأسئلة في مجال العري الاعلامي،

إلا أن الكتاب بشكل عام لازمه نقص يكمن في دراسة الجانب النفسي للكلمة وكذلك الصورة، بعد أن ركز الباحث وفي غير موضع على اندحار شرعية الكلــمة أمام الصورة،

من دون أن يأخذ في الحسبان ما تعانيه الصورة ايضا من حياد في الفاعلية، بعد أن صارت هي الأخرى تمرّ في ذهن المتلقي المتلبد الخدر، مرور الكرام وبشكل محايد لا يترك أثرا ولو مثل «أثر الفراشة» التي يتحدث عنها الشاعر محمود درويش .
 
هل أصبح الانفعال أو الاعترض موضة قديمة تنتمي الى القرن الماضي؟ وهل صار عاديا أن تمرّ صور ما تقتله القوات الأميركية والإسرائيلية من عرب ومسلمين،

وهي خارجة من اذهاننا رمادية وبلا موقف، الى الحد الذي يجعلنا نصدق أن مفردة الأمان باتت قاموسية ومتخشبة، وأن  الدم العربي لا تتكون كرياته  إلا لكي يسيل.

  نعود الى الباحث محمد إسماعيل والى كتابه مرة أخرى لنقول إن التساؤلات التي تثار حول واقعنا العربي واغترابه عنا، غير كافية وإن القول بأن المتلقي العربي قد استبدل بالفكري الهادئ العاطفي المثير،
 
غير صحيح في مجمل الحالات، لأنه ينطبق على فئة شبابية محدودة ولا ينطبق على الجميع وأن اتهام الصورة بكل ما يحدث لنا، ليس فيه أي مقاربة للواقع، لأن الحياد الذي نراه الآن مرتبط بما نعيشه من حياة مهشمة،

صار فيها الإنسان العربي مجرد محلول مشبع بالنكسات والنكبات، اضافة الى أنه بلا حقوق مدنية أو سياسية تحميه أو تسمح له بقول الكلمة أو المشاركة في صنع الصورة. وعليه فلا عجب أن تدهمه الوسائط الاعلامية وتخرج من بيته وهو يتثاءب أو يسحب رأسه لكي ينام .
 
كنا في ما مضى نسمع عن الطير الذي يرقص مذبوحا من الألم، أما الآن  فلم نعد نرقص ولم نعد نسمع سوى طغيان الحديث «المهم»حول  تدبير الحاجات اليومية، وهنا  تحديدا تكمن محنة الكلمة وكذلك محنة الصورة، اضافة الى  محنة  «الأنا» التي لم تعد تتعاقد مع غيرها.  zeyad_alanani@yahoo.com
تويتر