جولي آن أوديل: إيقاع الطبلة كنبض القلب والحياة

 
اكتشفت حبها لآلة الطبلة في سن متأخرة، واعتبرتها خشبة الخلاص من أزمة منتصف العمر، لذلك زارت إفريقيا لتعلم القرع على «الجامباي»، وليس بغية المرح والاستمتاع فقط بل لكسر الحواجز بين البشر وجعلهم يداً واحدة متعاونة ومتشاركة.


تدعو البريطانية جولي آن أوديل إلى نشر السلام، لذلك شكّلت فرقة موسيقية تضم أفراداً من جنسيات مختلفة كي تثبت صحة نظريتها، فعلى الرغم من اختلافاتهم يتعاون الأعضاء لتشكيل إيقاع واحد وموحد تحت راية «يد واحدة... عالم واحد». ولأنها تحب الطبيعة الخلابة والانسجام الحاصل ما بين الصحراء والقمر المكتمل والإنسان والطبلة، تذهب جولي آن برفقة أصدقائها ومحبي القرع على الطبول إلى الصحراء للاستمتاع بليلة في العراء وعلى ضوء القمر، بغية اللهو والترفيه عن أنفسهم. 


عندما بلغت السادسة والأربعين من عمرها، ارتأت جولي آن  أوديل القيام بنقلة نوعية من مرحلة إلى أخرى أكثر إيجابيةً بدل المرور بأزمة منتصف العمر على غرار الناس العاديين الخاضعين لمسألة تقدم العمر، لأنها شعرت أن جرس قطار الوقت بدأ ينذرها؛ حيث قررت تأسيس شركتها الخاصة قائلة «إن لم أفعل شيئاً مميزاً وجديداً الآن، فلن أقوم به أبداً»، فتغيّرت حياتها كثيراً، وأصبحت أكثر سعادةً ونشاطاً لأنها تعد مشروعاتها كأطفال.


شغف «الطبلة»
وبعد جولة على ما يحصل في العالم أجمع، خططت جولي آن لإقامة حدث ترفيهي وهادف يشبه مهرجانات «هوليستيك هيلث» العالمية، لذلك اتصلت بأحد قارعي الطبول في كندا ليفتتح المهرجان ويقرع للأطفال تحت راية السلام والأمان، ولتعليمهم الانفتاح الروحي على الآخرين، غير أن آمالها باءت بالفشل؛ لأن الراعي الوحيد للمهرجان انسحب قبل خمسة أشهر من تاريخ الحدث، قائلة «تخلى عني الراعي وغيّر رأيه، فأصبت بالإحباط الشديد لأن حفل القرع على الطبول لن يحصل، لكن ليس من أجل الحدث كله»، إلا أنها صممت تحقيق بغيتها ولو اضطرت للمضيّ في سبيلها بمفردها، على الرغم من أنها كانت مرتاحـة جداً في عمـلها.


 وتشرح جولي آن أن دماغ الإنسان مقسم إلى قسمين «ألفا» عندما يكون مرتاحاً ومطمئناً في حين أن «بيتا» تعبر عن الحالة الطبيعية التي يعيشها، وتفسر بأن القرع على الطبول يساعد على تأمين التوازن بين القسمين، لأن الإيقاع والصوت يجعلانه متوازناً، لاسيما أنه يدخل إلى قلب الإيقاع وذاكرته، كما أنه يغيّر مزاج الإنسان المعكر والمضطرب ليصبح متأقلماً مع نفسه ومنسجماً مع الآخرين.


وتعترف جولي آن بأنها لم تكن تعرف شيئاً عن الطبول أو كيفية النقر عليها، غير أنها كانت ترغب في تعلم ذلك، وتقول «قبل ستة أعوام، لم أكن أعرف ماذا يعني الطبل لكنني كنت فضولية وأردت استكشاف هذه الآلة، خصوصاً أن قلبي ينبض بسرعة كلما شاهدت طبلاً». وعندما قرعت على الطبل للمرة الأولى، شعرت بالسعادة والراحة لأنه  يعتبر أداة تواصل بين الأشخاص، لا تفرق بين العمر أو اللون أو الدين أو الجنسية أو اللغة لأن الإيقاع هو المحرك الأبرز والأهم. وبغية التمرس في استعمال هذه الآلة الموسيقية، سافرت جولي آن إلى جنوب إفريقيا لرؤية واستكشاف عالم الطبول في موطنه الأصلي، كما سافرت إلى الولايات المتحدة الأميركية لتلقي دروس للتواصل مع الجمهور وتوجيهه. 


وبعد عام على فشل مشروعها الأول، افتتحت السيدة البريطانية «دبي درامز» لتعليم العزف على الطبل، وتشير إلى أن أهدافها لا تنحصر في إطار التسلية والمرح بل لمساعدة الأطفال على التعبير وتعلم ثقافة السلام والبالغين للترويح عن أنفسهم والتخلص من أعباء الحياة والمشكلات، وتكوين نوع من التواصل والوحدة بين أفراد المجموعة ليكونوا يداً واحدة، بالإضافة إلى حفلات «القمر المكتمل» في الصحراء و«درامز أوف ذي وورلد».


القدر يبتسم لها
وبعد أن ابتسم لها القدر وأصبحت مشهورة، طلب من جولي آن افتتاح «ويل بيينغ شو»، المشابه لمهرجانها السابق، بخاصة أنهم أرادوا استخدام سيدة تقرع على الطبول، وتقول «طرت من الفرح لأنهم أرادوني العازفة الرئيسة»، مؤكدةً أن المنظمين سألوها المجيء إلى العرض والقرع تحت شعار السلام، لم تصدق نفسها بادئ الأمر، لأنها ستكون محور العرض وليس شخصاً آخراً وفي السياق نفسه، تؤمن السيدة البريطانية أنه مقدر لها أن تكون قارعة طبول، وتشرح بأن الإنسان عادة ما يسير في طريق رسمه لنفسه، ظناً منه بأنه السبيل إلى النجاح، غير أنه ينحرف فجأة ليدخل في «سرداب فرعي»، لكنه يكتشف أنه الطريق الأصح والأسلم وليس ذلك المرسوم، وموضحةً أن المرء قد يحتاج أعواما طويلة كي يدرك قدره في الحياة، كما تشعر أنها تزداد قوة وصلابة مع مرور الأيام وانخراطها أكثر وأكثر في هذا العالم المفعم بالحركة والحيوية والضجيج، ومشبهةً نفسها بكرة الثلج.


وكذلك، تعيش جولي آن حياةً ملآنة بالأحلام الجميلة لأنها تعمل بشغف ومتعة، وتقول إنها تتلقى مكافأة لقدرتها على مساعدة أناس غرباء بالانسجام والتواصل معاً بواسطة الطبلة، أداة لم يلمسوها يوماً أو يشعروا بها إلا أنها ترسم البسمة على وجوههم، وتدل على التواصل والاتصال بين البشر، كلغة تُحكى بالأكف، وتسمع بالآذان. في بعض الأحيان، يدّعي الأفراد أنهم لا يعرفون كيفية القرع على الطبلة، لذلك تعتمد السيدة أوديل على تقنية ناجحة وكأنها تجبرهم أو تستفزهم، لأنها تعتبر الإيقاع كنبض القلب، النبض الموجود في كل مكان.


أهداف سامية
كذلك، لاحظت أوديل تغييراً نفسياً كبيراً في شخصيتهم، وأوضحت أنها نظّمت صفوفاً للنساء فقط، وعلى الرغم من مجيء 10 طالبات إلا أنها لمست التغيير الجذري حيث أظهرن قوة وقدرة على التعبير عن مشاعرهن والراحة وتحقيق التوازن بين داخلهن والخارج، قائلة «يتوجب علينا أن نحب أنفسنا ونفهمها لأن الداخل ينعكس على الخارج سلباً أو إيجاباً».


تساعد جولي آن الأطفال وتلامذة المدارس على تكوين شخصياتهم والانخراط في مجتمعهم الصغير، بغية تحضيرهم للدخول إلى العالم الحقيقي والتواصل مع أفراد المجتمع، لاسيما أن الإيقاع الموحد يجعلهم يقدرون روابط الأخوة والتشارك والتعاون، كما أعلنت أن مدرسة الآفاق الإنجليزية أقدمت على خطوة إيجابية عندما أدخلت صفوف القرع على الطبلة في جدولها المدرسي، لتكون الأولى التي تحاول تعليم الإيقاع الصحيح قاعدة أساسية في حياة طلابها.


قارعو طبول العالم
بالإضافة إلى ابنيها تامر وديما، تؤكد جولي آن أنها تملك طفلين آخرين وهما «دبي درامز» و«درامز أوف ذي وورلد»؛ وسط عالم يعيش الصراعات والمآسي، قررت تأليف فرقة موسيقية وفنية تضم قارعي طبول من أنحاء العالم تحت راية السلام، بخاصة أن دبي مركز تجمّع جنسيات وحضارات مختلفة، بغية القرع من أجل السلام في العالم حيث يمكنهم التعبير عن وحدتهم وتواصلهم، وعلى الرغم من اختلافاتهم ليؤكدوا أنهم موحدين في «عالم واحد ويد واحدة» من خلال الإيقاع الموحد.


وعندما تبلورت الفكرة، بدأ الموسيقيون يتوافدون إليها واحداً تلو الآخر ليشكلوا الفرقة الإيقاعية، مؤكدةً أنها لم تضع إعلانات، وقد تمكنت من تشكيل فرقة عالمية وينتمون إلى الإمارات والهند وماليزيا وأفغانستان والعراق وإيران ومصر والسنغال وغانا وكينيا وألمانيا وبريطانيا وسلوفينيا وجنوب إفريقيا. 


ومنذ عامين، تقدم الفرقة عدداً من الحفلات، كما تشارك في الأحداث الموسيقية مثل  الموسيقى والجاز في دبي. وتشرح أوديل أن كل عازف يستخدم طريقة معينة في القرع، إلا أنهم يتحدون في الإيقاع كيد واحدة، في حين تلعب هي دور القائد والمتحكم بزمام الأمور، لكنها تستـخـدم سلطتـها لتأمين الوحدة والتعاون. 


وفي إحدى الحفلات، تقول جولي آن إن كل شخص عرّف عن نفسه وجنسيته، وعندما حان دورها أعلنت أنها تنتمي إلى كوكب الأرض إيماناً منها بأن الأرض ملك للجميع، ودون استثناء.


ولدت جولي آن أوديل في بريـطانيا وتـرعـرعـت في نيوزيلـندا، غـير أنـها تعتـبر نفسها أنغلو-عربية؛ لأنها عاشت 32 عاماً في الشرق الأوسـط، فقد التقت شاباً مصرياً خلال زيارتها الأولى إلى بريطانيا لتسافر بعدها إلى القاهرة وتستقر مع زوجها عاماً صبياً وفتاة، لكنها انفصلت عنه بعد 18 عاماً، وأتت إلى دبي بغية العمل في مجال العلاقات العامة ومراسـلة صحافية لعدد من الصحف الأجنبية، برفقة ابنتها. 


سافرت جولي آن وزارت بلداناً عدة في آسيا وأوروبا وأميركا، كما زيّنت بيتها بتحف وتذكارات جلبتها من تلك البلدان مثل الخزف الصيني وتمثال بوذا والطواطم الإفريقية وغيرها. 

تويتر