التقنية وعلم الاجتماع

عادل محمد الراشد

    

التقنية الحديثة هي شاغل أهل الأرض الآن. امتلاك أسباب التقنية، الحصول على أسرارها العلمية، إجادة استخدامها، التقدم على الآخرين في ميادينها.. كل هذه تجعل البشرية توجه أكبر اهتمامها بالتقنية كأهم مصادر القوة والغنى والرفاه.


ولا شك أن التقنية أصبحت أكثر الأدوات قوة في يد الإنسان لتطويع الطبيعة لصالحه، وفرض إرادته على غيره من البشر، ولكن في الدول التي تنتج التقنية، وتتقدم على غيرها في كيفية استخدام وتوظيف هذه التقنية على المستوى الفردي كما في المستوى المؤسسي، انتبهت مؤسسات المجتمع إلى انعكاس الاجتياح التكنولوجي على حياة الإنسان، على علاقاته بنفسه وعلاقاته بمحيطه، وعلاقته بالوقت الذي يلفه، الفائت منه والآتي. فحرصت، بقدر اهتمامها بإقامة مجمعات البحث التقني والصرف على تطوير أدوات التقدم التقني، على الالتفات إلى آثار التحول السريع في استخدام التقنية الحديثة على الفرد والأسرة وتفاصيل الحياة الاجتماعية والنفسية، إلى جانب ارتباط ذلك بالبيئة وتأثرها بالهجوم التقني.


نحن مجتمعات لا تنتج التقنية، وقد بدأت في توسيع مساحات استخدامها لأدوات التقنية الحديثة. ولعل الاستخدام الفردي عندنا لعوامل التكنولوجيا يفوق الاستخدام المؤسسي، ولكن أغلب وجوه هذا الاستخدام يصب في خانة الاستهلاك وثقافته المختلة على أصعدة عدة. ونجوم مستمر، لحكم الضرورة أحياناً وبحكم عوامل الترف أحيانا أكثر، ومع ذلك لا يلتفت حتى الآن إلى أهمية وجود اهتمام من نوع ما لعلم الاجتماع وعلم النفس وسائر العلوم الإنسانية، ولا يبدو هناك أي ربط بين الانفتاح على التكنولوجيا الحديثة والآثار التي تقع ويمكن أن يقع المزيد منها على المجتمع.


لا نسمع عن مراكز بحث مهمتها دراسة ومتابعة آثار التحولات الاجتماعية على الإنسان، ولا نسمع عن أفكار لتطوير كليات ومعاهد تختص في تخريج خبراء ومختصين، مهمتهم المساعدة في إعادة التوازن للنسق الثقافي والاجتماعي الذي هزته التحولات في استخدام التقنية وأسبابها. بل نسمع عن المزيد من الشكوى من دارسي «الأدبي» وخريجي الكليات النظرية، ونرى كل الأنظار مشدودة بعيداً عن ذلك إلى التقنية وحدها، دون أي حساب لمراعاة ميزان الحياة الذي لا تشتغل فيه تقنية حديثة متقدمة إلا بنفس بشرية متزنة ومؤسسة مجتمعية مستقرة.   


adel.m.alrashed@gmail.com

تويتر