أقول لكم

محمد يوسف

 
ماذا يكلفنا الكلام؟ لاشيء، نعـم ، لاشيء، فلو نطق شخص بعشر كلمات في اليوم والآخر خرجت من بين شـفتيه مليون كلمة فهما متساويان، الفارق الوحيد بينهما أن الأول قد يُصاب باكتئاب والآخر قد يشعر ببُحّة في أوتاره وشيء من الإعياء، ولا شيء آخر، فهذا لم يدفع مقابلاً ولا ذاك «الكلام ببلاش»، ومع ذلك نسمع وصفًا  لمن يستخدم كلمات نابية أو خادشة للحياء أو جارحة أو فيها سباب ولعان وتجريح وإهانة، يقال إن كلامه «رخيص»، فكيف يكون رخيصًا وهو بدون مقابل؟ بينما نسمع العكس عندما يعجبنا شخص ما، ونراه يختار الكلمات بعناية، ويوصل أفكاره بسلاسة، يفيض إذا كان هناك حاجة للإفاضة، ويختصر إن كان الجواب لا يحتمل غير ما قلّ ودلّ من المعاني، نقول إن  «كلامه من ذهب»، وهذا يعني أنه دفع في مقابل ذلك ما لا يقاس بمال، وهو العناء، عناء الذين تولوا التربية، أب وأم، إخوة وأخوات، أعمام وعمات، أخـوال وخالات، جيران وأصحاب، ومعلمون وعلوم  وتعلم واطلاع واقتداء، واحترام الكبير، وحب الصغير ، وفهم معاني العيب، وتقدير الذات وتحكيم العقل.


كل الكلام يقف على اللسان، ومن يملك قياد نفسه، من يمرر الكلمة ما بين قلبه وعقله، من لا يقبل على الآخرين ما لا يقبل أن يقال عنه، هـذا سـيّد لسانه، المحتكم إلى طبيعته التي جبل عليها، فليس هناك من لا يعرف الكلام البذيء، ولكن هناك من يتعفف عن النطق به، احترامًا لذاته أولاً، وتقديرًا لإنسانية من يقف أمامه ثانيًا، وصونًا لكرامة السـامعين ثالثًا، فيشتري القول الحسن من تراكمات بيئته التي عاش فيها، ولم يخطئ من قال عن كلمات السـب والقـذف والتشـهير إنها «سوقية»، لأننا في السوق سـواء، كلنا نسـتطيع أن نشـتري ما يُباع هناك، كل من يملك ثمنها، وثمن القول السيّئ لسـان يملكه الكل أيضًا، ولكن من يملك الـدر؟ قلة قليلة، فهو نـادر ، وهو غال، وهو لا يتوافر إلا لمن يسـعى إليه، ولهذا شُـبّهت الكلمات الموزونـة الرصينة المؤدبـة بالـدرر.
وسـيّد البشر الحبيب المصطفى عليه أفضل الصـلاة والسـلام يقول «الكلمة الطيبة صـدقـة».
               

myousef_1@yahoo.com

تويتر