الشيب هو الأصل

باسل رفايعة

  
الشيب ليس وقاراً، ولا عاراً، إنما هو ذلك اللون الأول للشعر الذي يأخذ النساء بالذعر عند أول شعرة بيضاء في رأسها، ويصيب الرجال بالهلع خوفاً من الذبول والكهولة.
 
العلم زفّ بشرى العزاء لمن يزعجه هذا الزائر الثقيل، فالأبيض هو لون الشعر الأصلي، ولكن صبغة «الميلانين» هي التي تمنح الشعر لونه الأسود، أو الأشقر، ومع تقدم العمر أو الإصابة بأمراض عضوية، أو سيادة عوامل الوراثة، تبدأ تلك الصبغة بالتناقص في بُصيلات الشعر، فيظهر الشيب، ويعود الشعر إلى اللون الأبيض، غير أن العمر لا يعود، مثلما يذهب الضجيج شيئاً فشيئاً إلى الصمت.

 
لكن، من يأبه للعلم في العالم العربي المأخوذ بالمسلّمات والأفكار المعلبة والموروثات، وكلها تحمل على الشيب، وترى فيه نذير شؤم يفتح نافذة تطل على الشيخوخة، وفي تراثنا القريب يغني ناظم الغزالي شاكياً حبيبته التي عيّرته بالشيب «وهو وقار» لتأخذه الحماسة إلى حدّ وصف خصلات الشيب بأنها أقمارٌ تضيء سواد الليالي، وقيل لعبدالملك بن مروان: عجّل عليك الشيب، فقال: وكيف لا يعجّل وأنا أعرض عقلي على الناس في كل جمعة مرتين.

 
من أجمل الطرائف العربية التي قرأتها عن الشيب أن رجلاً كانت له زوجتان، تدعى الأولى «حانة» فيما تدعى الثانية «مانة»، فكان عند زيارته «حانة» يسمع منها الكثير عن وقار الشيب وجماله، وتعيب عليه وجود الشعر الأسود بين بياض لحيته، وتدعوه إلى نتف الأسود المتبقي في لحيته، مدعية ان بياض الشعر وقار وهيبة. وعندما يحين موعد زيارة زوجته الثانية «مانة» تحدثه عن شبابه وتعيب عليه وجود الشعر الأبيض في لحيته، مدعية انه يعطيه أكثر من عمره ويظهره كهلاً، على الرغم من أنه شاب بنظرها، فيستسلم لها، ويبدأ في نتف الشيب من لحيته، وهكذا وجد نفسه فجأة دون لحية، فقال القول المأثور: «بين حانة ومانة ضاعت لحانا»!

 
المهم، أن الغزو الأبيض لا يوفّر أحداً، فهو قد يدهم صبياً أو صبية تحت العاشرة، وهنا الأسباب علمية بحتة، وقد تكون مدعاة للتباهي، وقد يتأخر إلى ما بعد الثلاثين والأربعين للأسباب ذاتها، وثمة من ينجو منه فيبلغ السبعين أو الثمانين مزدهياً بسواد كثيف على رأسه، فيجد من يسارع إلى توثيق الصلة بين الشيب والهموم، وفي قلبه كثير من الحسد.

المرأة لا يبدو عليها الشيب أبداً، فلديها عالمٌ متكامل من الألوان، تتنافس فيه كبريات شركات الأصباغ العالمية، وحين تعلن طلائع البياض الحرب عليها، تجد شركة عملاقة مثل «لوريال» لنصرتها على الفور، ولا أحد يأخذها بالملامة، أو يرمقها بالاستغراب، فهي تُجاري الزمن، أو بالأحرى تؤخر إيقاعه، وتتمتع بهذا الامتياز الجندري علينا نحن الكائنات الخشنة.
 الرجل أمام خيارين: فإما أن يصبغ شعره، ومهما كان متقناً فستظهر بقايا الأصباغ على فروة الرأس، أو على محياه، خصوصاً إذا بلغ من العمر ما يجعل الأمر مكشوفاً ومحرجاً، وإما أن يدع الشيب يفتك بسواد شعره، ويجامل نفسه بأن هناك رجالاً بشيب كثيف، وهم جذابون وفتاكون بالنساء، مثل: ريتشارد غير، وشين كونري!
 
تويتر