أم الفضائح

جورج فهيم


إلى أن يتمكن موظف آخر من تحطيم الرقم القياسي، سيظل «جيروم كيفريل» موظف بنك «سوستيه جنرال» الفرنسي، متصدراً لموسوعة جينيس للأرقام القياسية، على أنه الموظف الذي كبد  شركته أكبر خسارة في التاريخ  قيمتها 7.5 مليارات دولار، نتيجة مراهنات غير مشروعة في العقود الآجلة في البورصات الأوروبية تجاوز حجمها 81.9 مليار دولار، أي أكبر من القيمة الإجمالية لرأس مال البنك نفسه، دون أن يتمكن أحد من كشفه طوال خمس سنوات.

 
وما فعله جيروم لم يعرض فقط مستقبل البنك، الذي كان في طريقه ليصبح أكبر بنوك أوروبا للخطر، وإنما هز الثقة في القطاع المصرفي في أوروبا بأكملها، وفتح أعين المسؤولين في فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وعشرات الدول الأوروبية على الثغرات الهائلة الموجودة في مؤسساتهم المالية، التي يمكن أن تعصف بأوضاعهم الاقتصادية في لحظة واحدة.

 
والغريب في فضيحة جيروم، التي تلقب في فرنسا الآن «بأم الفضائح»، أن موظفاً صغيراً، مثل جيروم، استطاع أن يخترق قاعدة بيانات البنك بأكملها وعاث فيها فسادا كيفما شاء، بدءاً من تزوير المراسلات الإلكترونية، ومروراً بالقواعد الإلزامية للحصول على الإجازات، وانتهاء بتزوير المستندات.
وبطبيعة الحال فإن جيروم ليس الموظف الوحيد الذي يلقي بشركته في مهب الريح، فمن قبله تسبب نيك ليسون في إفلاس بنك «بيرنغ» بعد أن مني بخسارة قدرها 1.4 مليار دولار، ولكن ما يميز جيروم، حقا، هو أنه لم يضع في جيبه ولو فلسا واحدا من أرباح المراهنات، ومازال دافعه الحقيقي غير معروف حتى الآن، إلا أن المحيطين به يقولون إن جيروم، وهو ابن لعامل صلب ومصففة شعر، ربما كان ضحية لطموحه ورغبته في أن يثبت لكل من حوله أنه أفضل منهم جميعا، رغم انتمائه الطبقي الذي أغلق في وجهه أبواب نوادي أولاد الصفوة.

 
ورغم خطورة الاتهامات الموجهة إلى جيروم، إلا انه في نظر الكثيرين عبقري وبطل قومي، ليس فقط لأنه لم يحصل لنفسه على فلس واحد من أرباح المراهنات، ولكن لأنه اخترق الحواجز وتغلب على كل العقبات، حتى ان بعض  المواقع الاجتماعية الشهيرة على شبكة الانترنت خصصت غرفاً للدردشة للمعجبين به، والذين يطالبون من الآن بمنحه جائزة نوبل في الاقتصاد.

 
ومن المؤكد أن التسيب والإهمال موجودان في بنوك وشركات أخرى، مثلما هما في «سوسيته جنرال»، ومن الممكن أن تواجه نفس المصير الذي يواجهه البنك الفرنسي الآن ما لم تضع استراتيجيات محددة لمواجهة الفساد، وحسب مؤشر الشركات الذي يصدره منتدى «دافوس» الاقتصادي العالمي، فإن نسبة تقل عن 17% فقــط من الشركات هي التي تطبق إجراءات  تتيح كشف الانحرافات.


ولعل أهم الدروس المســتفادة من فضيـحة جيروم، هي أن الصناعة المصرفية في ظل العولمة، واشتداد المنافسة أضحت صناعة خطرة، تخضع لأهواء مديري البنوك في سعيهم  لتحقيق الأربـاح التي ترضي حملة الأسهم والمستثمرين.
 
 gfahim@emaratalyoum.com 

 

تويتر