ازمة رفح

تحولت «هبة رفح »- شأن كل ثمرة سياسية عربية تأتي بالمصادفة أو التخطيط- من مخرج محتمل لكسر الحصار الفلسطيني في غزة إلى أزمة في حد ذاتها. فقد اختارت الأطراف كلها تغليب نهج التصايح العاطفي وصراع الغوغائيات على واقع المشكلة وأفقها ومخاطرها، وبدلا من أن يعلن كل طرف اسمه وعنوانه ومصالحه رطن الجميع بالايدولوجيا،حتى وقعت الواقعة.
 
للجميع مصالح متقاطعة، وهذا أمر لا يدعو للخجل بل للقراءة. فالسلطة الفلسطينية تنظر إلى الأزمة من منظور إحياء اتفاقات المعابر وإعادة السيطرة على غزة وطلب الدعم الدولي ودفع مشروعها السياسي المرتكز على قبول ما تأتي به التسوية و«الريال بوليتيك» أفقاً للحلم الفلسطيني.
وحماس- التي لم تكن هبة رفح بعيدة عن ناشطيها- ترى فيما حدث فرصة لها للتذكير بوزنها في الأحداث واكتساب شرعية الناطق الفعلي باسم القطاع كحد أدنى، والعودة بممثليها الى طاولات التفاوض على الأقل في العواصم العربية والجنوح إلى إبدال اتفاقات المعابر القديمة بأخرى تكون هي شريكة كاملة فيها.

والإدارة المصرية التي تواجه حملة اسرائيلية وتوترا في علاقتها بواشنطن، عكس نفسه في التلويح بوقف المعونة الأميركية ووقف تقليد زيارة الرئيس المصري السنوي لأميركا، واقتصار بوش في زيارته للقاهرة على اطلالة لم تزد على ساعات، وجدت في الأزمة فرصة لتوجيه رسالة لواشنطن وتل أبيب تقول لهما فيها إنها تملك أوراقا في ملف التسوية لا تخطر على بال أحد، وأنه لا يمكن إقصاؤها، في الوقت ذاته عادت بحديث الأمن القومي والحدود تذكر بأنها منذ كامب ديفيد لم تعد طرفا في الصراع «العربي- الصهيوني» المسلح، وأنها لاتقبل الانجرار لمواجهة اسرائيلية
.

والحق أن المجاهرة بهذه الأجندات ليست كفرا وكان بمقدوره دفع الأزمة باتجاه الحل بشرطين أساسيين أولهما تجرؤ الإعلام العربي على النطق بها، أي بهذه الأجندات، خطابا شرعيا لشعوبه، بدلا من ذاك الوضع الازدواجي الذي تتحدث فيه نخب معزولة عن لا قطرية الحدود «في زمن الرهونات العقارية».
وأمجاد يا عرب أمجاد فيما شارع تحكمه أكثر المفاهيم شوفينية. وثانيا هو قرن الاعتراف بالأجندات السابقة بالتمسك براية حقوقية وإنسانية لا يمكن الا أن ينحني امامها كل مخلوق على الكوكب، وهي حق الشعب الفلسطيني تحت أي ظرف في رفض الحصار والعقاب الجماعي
.

والحال هكذا، كان بالإمكان تطوير مبادرة لـ«الدبلوماسية الإنسانية» بالتعبير الكلينتوني، بغطاء عربي أو دولي، تعزل الإنساني عن السياسي في الأزمة، وتعتبر أن مبدأ توصيل الغذاء والدواء لقطاع غزة هو خارج وضعها السياسي، وليس رهينة الرضا الاسرائيلي أو العربي، كما تضع أفقاً دولياً للمعابر، مبادرة تعترف لمصر بحقها المشروع في حدود لا تخترق من العدو أو من الأخ الصديق. وتنحي مصالح الطبقة السياسية الجزئية في «فتح وحماس» عن مصلحة سواد الناس المباشرة من الشعب الفلسطيني، وتتكلم السياسة كما يتكلمها كل الخلق في العالم: مبادلات وممكنات ومقاصات
.

واقعة رفح لم يكن بمقدورها أن تكتب نفسها تاريخاً جديداً، فهي ابنة شرعية لتاريخ من التدمير الذاتي أدمنته شعوب المنطقة. الذي في الإمكان الآن هو قطع الطريق أن تكون بداية صدام عربي- عربي تتعدى نتائجه كل الخطوط الراهنة
.

alayak2005@yahoo.com

تويتر