معرض للسوري مجدل البيك في «أيام غاليري»

«قلب على الحائط».. جدران تحكي الألم والحنين

صورة

في معرضه الجديد الذي يحمل عنوان «قلب على الحائط» لايزال الفنان السوري عبدالكريم مجدل البيك يقتفي أثر الزمن على الجدران، يتتبع البقايا التي يتركها الناس، ليرصد من خلالها المشاعر الانسانية، خصوصاً الألم. يحمل معرض الفنان الذي افتتح أخيراً في «أيام غاليري»، الكثير من المشاعر التي يفيض منها الحزن. وبينما كنا نراه يلاحق آثار الجدران القديمة في دمشق، يتوجه اليوم في معرضه الذي يستمر حتى 14 يناير، الى رصد ما يتركه الزمن على جدران بيروت بعد انتقاله للعيش فيها، دون ان تغيب عن ذاكرته ما تحويه جدران وطنه، فالمعاناة لاتزال حاضرة، يضاف اليها الشعور بالفقدان والحنين.

سيرة لونية

ولد الفنان السوري عبدالكريم مجدل البيك في قرية قريبة من الحسكة في سورية عام 1973. درس الفنون في جامعة دمشق، وحصل على شهادة تكريم في عام 2001. شارك منذ بدء مسيرته الفنية في العديد من المعارض الجماعية، الى جانب قيامه بمجموعة من المعارض الفردية، التي كان منها ما قدم في صالات عرض للفنون، ومنها في مؤسسات فنية في الشرق الأوسط. حصل على مجموعة من الجوائز، من بينها حصوله على المركز الثاني في جائزة بينالي اللاذقية، والمركز الثاني في مسابقة أيام للمواهب الشابة. أما أعماله فقد اقتنيت ضمن مجموعات فنية خاصة وعامة.

يضع البيك الكثير من المشاعر الانسانية بين ألوانه، فيترك اللوحة تعبر عن ما تختزنه الذاكرة من عواطف ومشاعر، وكذلك مصادفات يومية. الزمن، هذه الفكرة المجردة التي قد لا يكون تكريسها في العمل بشكل مباشر أمراً سهلاً وممكناً، يجعله البيك حاضراً من خلال الأثر والبقايا، فيلامس المشاهد مباشرة في المادة اللونية التي يقدمها. الجدران تحمل خربشات، وحكايات، والكثير من القصص، فهي عندما يزاح عنها البياض أو حالة الفراغ، تستطيع أن تقول الكثير عن الأوطان، وكذلك عن ناس مروا وتركوا شيئاً من أثرهم عليها. إنها ذاكرة المدينة والوطن، فكل ما تحتويه ليس عبثياً على الاطلاق، فهي أولاً انعكاس لتحركات الطبيعة، وأحوال الطقس من هبوب الرياح والمطر، وما يبقى من أثرها، وكذلك من الجهة الأخرى تحتوي على أحوال البلد وتعكس استقراره أو عدمه، سواء من خلال الكتابات الواضحة أو حتى ما تحمله من رموز تبدو في غاية الوضوح لدلالتها على الوضع الآني.

قدم البيك في المعرض السابق الوضع السوري بكثير من الألم، فكانت لوحاته محملة بالسكاكين والمسدسات وأدوات الحرب. هذه الأدوات لم تغب بشكل تام عن معرضه الحالي، ولكن وطأتها كانت أخف من المعرض السابق، فهي اليوم موجودة ولكنها لم تعد الوحيدة والمسيطرة. نجدها في بعض اللوحات، وتغيب عن لوحات أخرى، يقدم البيك من خلالها الأجواء السوداوية التي تخيم على وطنه، وفق رمزية تعتمد على الكولاج سبيلاً واضحاً في التعبير، فيضع في اللوحات المسدسات التي تتوجه الى بعضها بعضاً، ويرمز من خلالها الى الاقتتال والصراع، وكل ما يعيشه وطنه. هذه المسدسات التي يدخلها البيك على لوحته، تحتل البقعة السوداء في اللوحات، وغالباً ما تحاط هذه البقع السوداء بالألوان المشعة بالحياة، ما يجعل الفنان يبدو في حالة تفاؤل على الرغم من السواد الذي يكرسه، فهو الأسود الذي ينحصر ويشارف على الانتهاء، وكأنه ينبئنا بالقادم الأجمل. اللافت في رموز البيك وقوعها في منطقة واضحة وشديدة الصراحة، فهو لا يترك لوحاته غارقة بالغموض، بل يجعلها شديدة الصراحة، فالمسدسات التي يضعها ملطخة بالدماء وتشير بشكل واضح الى تفشي الموت.

يعتمد البيك في أعماله على الطبقات المتعددة في العمل الفني، فيسعى الى منح اللوحة الشكل الحقيقي للجدران، فنرى كيف تتداخل الكتابات مع بعضها بعضاً على اللوحة، وكذلك الألوان التي تسيطر عليها الدرجات الترابية، لتحاكي اللون الحقيقي للجدران. يرسم البيك من خلال أعماله الزمن، ويكتب كلام الوقت، فتجتمع لديه أكثر من ذاكرة، وهذا الامتزاج نجده واضحاً في تعبيره عن جدران بيروت ودمشق في آن، الأمر الذي يعكس احساس الفنان بالمحيط وما يتركه الناس، فهو وإن بدا في عمله يعكس ما يحزنه ويؤرقه، إلا ان هذا دليل على حساسية عالية في التعاطي مع الأشياء المحيطة. هذه التقنية التي تجمع بين العديد من المواد والألوان والكولاج، تتيح للبيك التعبير عن مخزونه الفكري بشكل وفير، فلوحته شديدة الغنى بالعناصر التي تبرز الفكرة التي يسعى الى تجسيدها. كل هذا يجعل لوحة الفنان السوري تحمل الكثير من العفوية في الشكل الخارجي، في حين تبدو شديدة الدراسة من حيث التنفيذ، ولكن جماليتها الحقيقية تتكون من العبثية التي تتأتى من الخربشات، فهنا يغوص الفنان في الاحتمالات اللونية، والصياغات المتعددة، ليعكس تجربة مميزة ورؤية خاصة.

الألوان التي يوزعها البيك على اللوحة، تبدو انها شديدة القسوة من ناحية، ثم لا تلبث أن تصبح أكثر اشراقاً وتعبيراً عن الحياة، فينوع الفنان في ما بينها بشكل حاد، اذ نجد ضربات الابيض تدخل على البيج والأسود بشكل تلقائي وحاد دون الانصياع الى التقسيم المنسجم او التدرج المدروس. هذه الألوان تحمل الكثير من الكتابات التي تزيد من وضوح أفكار البيك ولوحاته، فنجده يكتب كلمة «كوابيس» في احدى اللوحات، أو «بلد»، ثم لا يلبث ان يذهب الى بعض الكتابات الدينية. هذه الكتابات تعبر عن مخزون ذاكرته من جهة، وتبرز أيضاً ما يؤرقه وما يؤثر به، وما يحمله من مشاعر كثيرة. وفي الختام لا يجول في خاطر المتلقي سوى سؤال عن الاحتمالات اللامتناهية لهذه الجدران، وما اذا كان الفنان يعتبرها مادة يمكنه من خلالها توثيق المرحلة التي يمر بها وطنه، أم أنها مساحة تعبيرية لصرخة كبيرة ووجع مؤلم، وفيض من المشاعر القاسية المكسوة بالحنين.

تويتر