واحة للهدوء على مشارف العاصمة الألمانية

جزيرة الطواويس.. مـلاذ الملكة لويزا

صورة

كانت جزيرة الطواويس التي تقع جنوب غرب برلين أحد الأماكن المحببة إلى قلب لويزا ملكة بروسيا، ‬1776-‬1810، حيث تمتاز هذه الجزيرة بطبيعة ساحرة وتضم قصراً خيالياً وتعج بأماكن الاسترخاء والاستجمام. وكانت هذه الجزيرة التي تقع على مقربة من البلاط الملكي تُعد بمثابة ملاذاً للملكة لويزا، إذ كانت تحرص على الذهاب إليها هرباً من رسميات وقيود الحياة اليومية ولتكون على طبيعتها مع أسرتها ولتتمتع بجمال الطبيعة الخلابة. وحتى يومنا هذا مازالت الجزيرة تأسر الألباب لكونها واحة من الهدوء تقع على مشارف العاصمة الألمانية. وتُعد هذه الجزيرة الساحرة جديرة بالزيارة، خصوصاً هذا العام الذي يتم فيه الاحتفال بمرور ‬200 سنة على رحيل ملكة القلوب الألمانية.

وتقول سوزانة فونتين، مديرة القصر بجزيرة الطواويس «في عصر الملكة لويزا كان الخروج من القصور إلى الطبيعة يمثل أحدث التقليعات بين النبلاء». وتأثراً بفكرة العودة للطبيعة التي كان الفيلسوف الشهير جان جاك روسو يروج لها، وجدت لويزا ضالتها في جزيرة الطواويس التي تتلاءم تماماً مع الصورة المنشودة. وعن هذه الجزيرة تقول فونتين «كونها جزيرة فقط يطلق العنان للخيال والأحلام».

عالم خيالي 

مازالت هذه الجزيرة الساحرة تبدو كما لو كانت عالماً خيالياً حتى يومنا هذا. ويمكن الوصول إليها من اليابسة عن طريق عبَّارة صغيرة فقط. وانطلاقاً من هناك يسير السياح في طريق ضيق مروراً بمناطق تزخر بالأزهار والورود وصولاً إلى الأطراف الغربية للجزيرة. وخلف الأشجار الكثيفة يجد السياح أنفسهم فجأة أمام قصر أبيض ذي أبراج بديعة التصميم بإطلالة رائعة على نهر «هافل». وقد تم تشييد هذا القصر عام ‬1794 في عهد الملك «فريدريش فيلهم الثاني» الذي فارق الحياة بعد ذلك بفترة قصيرة، وكان ابنه «فريدريش فيلهم الثالث» وقرينته لويزا أكثر من يستخدم هذا القصر من بين ذريته.

وتعتبر واجهة القصر أهم ما يلفت النظر إليه، فبالنظر إليها من مسافة بعيدة بعض الشيء تبدو كما لو كانت مشيدة من الأحجار، غير أنها ليست سوى أحجار مرسومة. ففي حقيقة الأمر تتكون الواجهة من ألواح بلوط غير مشذبة تعكس الرغبة في تصميمات تتحلى بالبساطة وتميل إلى الطبيعية. وبالمثل قلما تتسم التصميمات الداخلية بالأبهة المتكلفة. وهذه كانت حال القصر في عصر لويزا، وتقول فونتين «وبعد رحيل لويزا لم تستخدم الأجيال التالية القصر إلا فيما ندر، ما جعل القصر يدخل في سبات عميق». لذا لاتزال غالبية التجهيزات محتفظة بأصالتها ورونقها، مثل الأثاث وورق الحائط والغرفة التي يطلق عليها اسم «تاهيتي أو جنوب المحيط الهادي»، وهي غرفة تثير الرغبة في السفر والترحال إلى البلاد الاستوائية الواقعة في أعالي البحار.

غرفة «تاهيتي»

اللوحات الضخمة المُعلقة على جدران غرفة«تاهيتي أو جنوب المحيط الهادي» تأخذ الناظرين إليها إلى عالم ساحر يزخر ببغاوات وأشجار نخيل ونباتات فريدة من نوعها. وقد تم طلاء سقف الغرفة بحيث يشعر الزوار كما لو كانوا يجلسون في كوخ مغطى بأغصان الخيزران. كما يعكس أيضاً معمل الألبان الذي يقع في أطراف الجزيرة الشمالية الرغبة في محاكاة الطبيعة قدر المستطاع، فهذا المكان الذي كانت لويزا وزوجها يختبران فيه مهاراتهما في حلب الأبقار وإنتاج الزبدة، يبدو من الخارج كما لو كان أطلالاً لكنيسة مشيدة على الطراز القوطي. وعن معمل الألبان هذا تقول فونتين «هذا المعمل كان بمثابة مكان ترفيهي للملوك، حيث كان يمكنهم هنا تقمص دور الفلاح والفلاحة».

وبالإضافة إلى ذلك كانت هناك حظائر وصومعة يتم استخدامها بالفعل في الأغراض الزراعية، إلا أنها كانت تتيح في الوقت نفسه للأسر الملكية إمكانية معايشة الحياة الريفية لفترة قصيرة نوعاً من أنواع الترفيه ودون بذل مجهود شاق. وبين هذين المبنيين تمتد حديقة زراعية شاسعة وضع فنان تنسيق الحدائق من المدرسة الكلاسيكية الألمانية، بيتر جوزيف لينه، تصميماً خاصاً لها. وبفضل هذا التصميم الرائع لا تبدو جزيرة الطواويس حديقة منسقة بلمسات بشرية ممتدة على مساحة ‬67 هكتاراً تقريباً، وإنما حديقة طبيعية من بديع صنع الخالق.

وتقدم جزيرة الطواويس لزوارها الفرصة للهروب من إيقاع حياتهم اليومية المحموم شأنهم في ذلك شأن الملكة لويزا، كما تنتظر الزوار مفاجآت عديدة أثناء جولات الاستكشاف. وحتى الزوار الذين يكتفون بالتنزه بمحاذاة أشجار البلوط يكتشفون بين الحين والآخر بخلاف الطواويس التي تحمل الجزيرة اسمها، أماكن كثيرة أخفاها الطراز المعماري الرائع للحديقة في أحضان الطبيعة خلف الأشجار الشاهقة، منها على سبيل المثال مخبأ لصيد البط وقفص طيور كبير ونافورة ومعبد لويزا.

تويتر