غابت في عصر الإنترنت وثورة الاتصالات

الرسائل الورقية.. شيء من الماضي

الرسائل أكثر صدقاً في التعبير عن المــــــــــــــــــــشاعر. غيتي

منذ زمن ليس ببعيد، كانت الرسائل المكتوبة وسيلة التواصل الأكثر اعتماداً بين الأشخاص الذين تفصلهم المسافات، وكان الناس ينتظرون الرسائل من قريب أو صديق غائب، وغالباً ما كانت هذه الرسائل لا تصل بشكل مباشر بل إلى بريد موجود لدى صاحب الصيدلية أو الدكان في الحي. أما اليوم وبفضل وسائل التواصل الحديثة، باتت الرسائل شيئاً من الماضي تم الاستغناء عنه، وباتت الكتابة على الورق من الأمور شبه الغائبة، إلا من قبل قلّة واظبت عليها.

وأكد المواطن بطي خليفة، أن وسائل الاتصال في العصر الحديث افضل من العصر القديم وأسرع، وبالتالي استغنينا عن الرسائل المكتوبة، فهي تحتاج إلى وقت طويل كي تصل. وعلى الرغم من شاعريتها الحميمية التي تتسم بها إلا أن وسائل العصر الحديث قربت المسافات بين الناس. وقال المصري إكرامي علام، إن «الرسائل القديمة كانت جميلة، ولكنها لم تعد قادرة على تلبية متطلبات العصر الحالي السريع، فاليوم نحن في صراع مع الوقت ونحتاج إلى الكثير من السرعة في انجاز مهمات أعمالنا ومتطلبات حياتنا، حتى حين نرسل بعض الأغراض أو الطرود فنحتاج الى وصولها بسرعة». ونوه الى أن الرسائل المكتوبة ارتبطت بقصص الحب بشكل كبير، وبالتالي فإنها تتميز بالقدرة على التعبير عن المشاعر بالدرجة الأولى، في حين أنه اليوم يعتمد على البريد الإلكتروني في كل الرسائل التي يرسلها.

لهفة

اللبنانية ألفت سالم، التي تربطها بالورق والكتابة علاقة خاصة ترى أنه «على الرغم من أني لا أعتمد كثيراً على الرسائل المكتوبة بسبب وجود الهاتف والبريد الالكتروني، إلا أني مازلت أكتبها أحياناً، بسبب أهميتها في التعبير عن صدق المشاعر، فهي تحمل قيمة معنوية تميزها عن شتى وسائل العصر». وأضافت «أرى أن الكتابة تجعل المرء يعيش حالة خاصة من المشاعر وعلاقة مميزة مع الورق والقلم، وبالتالي يكون أكثر قدرة على انتقاء المفردات التي تحمل الصدقية والشفافية في التعبير». وشددت على أهمية التواصل السريع لتلبية متطلبات العصر، مع الحرص على الابقاء على أشياء باتت لدى البعض من فتات الزمن الماضي.

وأكدت الأردنية أحلام أبوشقرا، أن «اللهفة والشوق كانا موجودين في الرسائل القديمة أكثر من رسائل العصر الحديث، ولكني كأم أرى أن الاتصال السريع عبر الانترنت أو من خلال المكالمات والرسائل ألغى المسافات وخفف وطأة القلق علينا كأهل، لاسيما حين يكون أولادنا يدرسون في الخارج». ولفتت الى أن الغربة في القدم كانت صعبة بسبب طبيعة الاعتماد على الرسائل التي تستغرق وقتاً طويلاً كي تصل، بينما اليوم تحول العالم الى قرية صغيرة. واعتبرت أبوشقرا، أن الرسالة المكتوبة التي افتقدناها، تعيش أطول مع الانسان، فالمرء يحتفظ بالورق ويقرأه مرات عدة، وبالتالي هذا يجعل العلاقات تتوطد.

وشدد السوري سامر حوارني، على أن «الرسائل القديمة لها قيمة معنوية لا يمكن أن ننساها، بينما اليوم أصبح الهدف من الرسائل إرسال خبر بسيط، وبالتالي لم تعد تحمل الاحساس الذي كان موجوداً في السابق. ونوه الى أن عصر الرسائل مازال موجوداً، ولكن على نطاق ضيق، فبحكم الحياة السريعة اضطررنا الى التخلي عن بعض الأشياء القديمة التي افتقدناها بفعل التكنولوجيا التي سهلت الحياة». ونوّه اللبناني وليد المجذوب الى أنه يفضل استخدام وسائل العصر الحديث نظراً لفوائده الكثيرة، فهي أسرع وأفضل، ولاسيما مع وجود الانترنت على الهواتف المحمولة، الأمر الذي يسهل إرسال أي رسالة لأي شخص في أي وقت. ولفت المجذوب الى أن التعبير بالكتابة على الورق له وقع خاص، ولكن الحياة التي نعيشها لا تتناسب مع هذه النمط القديم.

تعبير

ورق وعطور

أكد الاستشاري في الطب النفسي الدكتور محمد النحاس، أن الأوراق التي كانت تستخدم للرسائل كانت تميز الرسالة وتحمل مدلولات، فالاهتمام بلون الورق ونوعه يعبر عن أهمية الشخص، فيما قطع أي ورقة والكتابة عليها يكون إما بسبب الوضع الصعب الذي يمر به الشخص أو عدم اهتمامه بشكل الرسالة. وأكد ان الكتابة بالخط تعطي فرصة قراءة الافكار، فأحياناً يشدد المرء على كلمة معينة، أو يضع خط تحت عبارة وهذا يلفت انتباه القارئ. كما شدد على ان الرسائل تترك أثراً نفسياً لدى المتلقي، فأحياناً كانت تعطر بالعطور أو يرسم عليها بعض الرسوم كالورود والقلوب، وهذا له اثر نفسي في الشخص الذي يتلقى الرسالة.

http://media.emaratalyoum.com/inline-images/274497.jpg

محمد النحاس.

أكد مدير مركز الاستشارات الدولية للطب النفسي، الدكتور محمد النحاس، أن «الرسالة المكتوبة تعطي مساحة للتعبير الوجداني أكثر من الوسائل الالكترونية، فهي تجعل الجهاز العصبي يفرز هرمونات تساعد على خفض التوتر، لاسيما إن كان لدى المرء شوق وقلق أو سؤال عن أي شيء». واعتبر أن الجهاز العصبي يعكس الحالة النفسية، وبالتالي فإن خط اليد الموجود في الرسالة يعكس مدلولات نفسية يمكن ان يكتشفها من يعرف قراءة الخط، لاسيما أن هدفها الاساسي هو التواصل بين الافراد. أما اليوم فبحسب النحاس فإن معظم الرسائل باتت غير مهمة، فهي بمعظمها تكون رسائل جاهزة مكتوبة وتتم إعادة إرسالها، وبالتالي لا تحمل أي نوع من المشاعر والأحاسيس. ونوه النحاس إلى أن الرسائل المكتوبة كانت تنتظر لفترة طويلة، وهذا يحدث نوعاً من استمرارية المشاعر، أو حالة توقع، فيترك لدى الطرف الآخر نوعاً من الأمل. أما اليوم فبالنسبة للنحاس كل شيء يأتينا بالتوصيل السريع، واليوم لا يمكن أن نحدد أيهما أصدق، الحديث الهاتفي أم الرسالة. واعتبر ان كتابة الرسائل كانت تحسن الألفاظ وتعبر أكثر عن المشاعر، فالكتابة تستدعي المشاعر بشكل عميق، ولكن الكلام أحياناً يخون، فيما تبقى الكلمات خير سفير لنقل الاحاسيس، فهي تفرغ الشحنات العاطفية السلبية والايجابية على حد سواء. وأكد الاستشاري النفسي أن الافراغ الوجداني يعني التخلص من ضغط انفعالي وشحنة انفعالية قد تقود للتوتر.

أما تطور العالم، فبحسب النحاس، قرب الناس وخفض من التوتر والقلق على الاحباب والاصدقاء وكل من هو بعيد، فالتكنولوجيا أعطتنا الفوائد وأخذت منا بعض الاشياء الجميلة.

تويتر