الشــباب والكبـار .. حكمة التعامل

كبار السن يعيشون علاقات زوجية أفضل. أرشيفية

غالباً ما يثير مشهد مرور كبار السن في السوق، أو مراقبتهم مع عائلاتهم المحبة، نوعاً من الراحة والرغبة الشديدة في أن يعيش المرء يوماً ما مرحلة شيخوخة مريحة وهادئة بين الأحباء والمقرّبين من أبناء وأحفاد، وأن تلك الشخصيات الهادئة والمهذبة والحكيمة التي تعكسها صورة الشيخ الكبير، أو العجوز، بدأت بالانقراض وأن سلوكيات «الزمن الجميل» لم تعد موجودة، إلا أن الأمر قد لا يعدو أن يكون مجرد تطور في الصفات والسلوكيات والشخصية التي تأتي مع تقدم العمر ولم تكن موجودة في شبابهم، وأن الصورة النمطية التي يضعها كل من الشباب وكبار السن لبعضهم بعضاً، هي ما تجعل التفاعل بين الجيلين أكثر كياسة ومرونة.

هذا على الأقل ما كشفت عنه دراسة أميركية جديدة، والتي بينت أن جزءاً من تلك العلاقات الاجتماعية الناجحة التي يقيمها كبار السن مع مَن حولهم من جميع الأعمار، هي ببساطة ليست نتيجة مهارة كبير السن في التعامل والتواصل السلس مع الآخرين غالباً، بل لأن جميع الأفراد من مختلف الفئات والأعمار، يميلون لا إرادياً إلى مسامحة واحترام كبار السن.

وبينت الدراسة التي أقيمت في جامعة بوردو في ولاية إنديانا الأميركية، أن كبار السن يعيشون حياة زوجية أفضل من غيرهم، ويتمتعون بصداقات أكثر دعماً، ويواجهون مشكلات وأزمات أقل تعقيداً مع أبنائهم وإخوتهم، وبينت البروفيسورة في «مركز بارنر هانلي لعلم الشيخوخة والأبحاث التطورية للعائلة» في جامعة بوردو، كارين فينغرمان، أنه «ورغم انخفاض المهارات المعرفية والقدرات الفيزيائية، إلا أن العلاقات في الوقت ذاته تتحسن، فما هو الأمر المميز حول كبار السن؟ وتبين من خلال الدراسة أن فكرة الأفراد حول الوقت المحدود الذي قد يعيشه كبار السن في الحياة، والاستعداد للمسامحة والمغفرة لهم، وجميع الأفكار النمطية التي نربطها بكبار السن من سلوكيات وردود أفعال مقدرة ومعتمدة على الاحترام لكبار السن تلعب دوراً في تحسين جودة حياتهم، وجعلها تبدو أكثر سهولة ويسراً»، إلا أنها تؤكد أن الأمر «لا يقتصر على الطريقة التي يتعامل فيها الشاب مع كبير السن، بل هي حول طريقة تفاعل الأفراد مع فكرة وصورة كبار السن».

وقد نشرت كل من فينغرمان والبروفيسورة المساعدة في علم النفس والسلوكيات الاجتماعية من جامعة كاليفورنيا، سوزان تي تشارلز، دراستهما في دورية الشهر الجاري من «الاتجاهات الحالية لعلم النفس»، وهو مقال معتمد على عملهن الذي تضمن دراسات تبين أن كبار السن يميلون مع مرور الزمن لأن يكونوا أقل رغبة في المواجهة، عندما يكونون غاضبين أو متضايقين مقارنة بالشباب، كما اعتمد المقال على دراسات سابقة نشرت عام 2009 في دورية «علم الشيخوخة وعلم النفس والشيخوخة» في .2008

وقارنت إحدى الدراسات بين الشباب الذين تراوح أعمارهم بين 25 و35 عاماً، وكبار السن الذين تراوح أعمارهم بين 65 و77 عاماً، معتمدة على أسئلة حول كيفية تفاعل كل شخص مع مواقف مختلفة، والتي تضمنت قصصاً حول أفراد كبار في السن يرتكبون مخالفات وأخطاء، تراوح بين الفظاظة مع نادلة، أو تجاهل أو اختراق حدود منزل أو ملكية ما. وقد قسمت الدراسة المتطوعين إلى مجموعتين، إذ قرأت المجموعة الأولى القصص حول تلك الشخصية المزعجة كونها رجلاً كبيراً في السن، بينما كان الشخصية المزعجة هو شاب لدى المجموعة الثانية، وكانت النتيجة أن جميع الأفراد من مختلف الأعمار من مجموعة كبير السن افترضوا أن الأفراد أو ضحايا هذا الشخص المزعج سيقومون بمسامحته، أو أنهم سيقومون بتفاديه وعدم مواجهته، بينما كان رد الفعل عكسياً مع مجموعة الشخصية المزعجة الشابة، إذ اعتقدت المجموعة الأخيرة أنه في حال قام الشاب بتلك الأخطاء والتعديات حيال الغير، فإن الطرف الآخر أو الضحية يجب أن يواجه الشاب ويبين مدى خطئه.

فينغرمان شبّهت الأمر بالرقصة بين شخصين، «فكل شخص يقوم بفعل ورد فعل، كنوع من التفاعل والرد على الطرف الآخر وبحسب تفاعلاته، وفي هذه الحالة، فإن كل شخص يقوم بتوقع رد فعل الطرف الآخر، وهذا التوقع أو الميل إلى التنبؤ بردود الأفعال، مبني غالباً على السن»، مبينة أن «سلوكيات الأفراد تتغير وتتبدل مع الشركاء في المجتمع بحسب العمر، وعندما يكون هناك تفاعل سلبي، فإن الشباب غالباً ما يكونون أكثر عنفاً، وأكثر ميلاً للمواجهة مقارنةً بكبار السن، بينما يكون الشباب أكثر ميلاً لتفهم كبار السن ومعاونتهم عند حدوث تفاعل سلبي».

وقدمت فينغرمان مثالاً على ذلك قائلة: «قد يكون كبير السن أكثر وداً مع احتماله لأن يكون الشاب أكثر ميلاً إلى المواجهة والعنف، بينما يميل الشاب في الوقت ذاته إلى التعامل مع كبير السن تحت إطار الفكرة النمطية التي تصاحبهم، والتي يميل الشاب فيها إلى أن يكون أكثر صبراً مع كبار السن، وبأنهم لا يحبذون التغيير ويرفضونه، ما يعني ميل الشاب إلى أن يكون أكثر كياسة ومرونة مع أخطاء كبار السن»، وتضيف فينغرمان أنه «ومع تقدم السن يبدأ الأفراد بتعلم أن يكونوا أفضل وأكثر تحكماً بمشاعرهم عندما يثير أمر ما ضيقهم، وتعتبر الإيجابية الأخرى هي أن كبار السن غالباً ما يحظون بفرص أفضل لأن يختاروا مع مَن يرغبون في التعامل لأنهم لا يعملون ولا يواجهون شخصيات كثيرة».

وتضيف فينغرمان سبباً آخر لقائمة تفسيرات تحسن المعاملة مع مرور السن، والتي تكمن في أن تقدم السن، يعكس سلوكيات تعتمد على الرعاية، والاهتمام، وتقدير اللحظة، وبصرف النظر عن عمر الشخص سواء كان شاباً أو كبيراً في السن، فإن نظرته للحياة وتقديره لها ولمن يعيش عليها سيكون أكثر لطفاً وكياسة وتقديراً إذا كان يشعر بأنه لن يعيش كثيراً، وبأن لديه وقتاً محدوداً لتقدير ما يستحق، وهو الأمر الذي قد لا ينطبق فقط على كبار السن، بل على الشباب الذين غالباً ما لا يرون بعضهم بعضاً لفترات طويلة بسبب تغير ظروف الحياة، مثل الانتقال إلى مكان آخر، أو الخدمة العسكرية، مبينة أنه عندما يشعر المرء بأن الوقت محدود، فإن الأفراد يميلون إلى أن يستفيدوا ويستمتعوا بكل ما هو جيد وإيجابي حولهم، ويفضلون إبقاء تفاعلاتهم بشكلها الإيجابي، بدلاً من التشاجر. وتشير فينغرمان إلى أن مثل هذه السلوكيات، «قد تمت ملاحظتها في دراسات أخرى، عندما رفضت النساء مواجهة أمهاتهن كبيرات السن، ومناقشة موضوعات سلبية معهن، لأنهن شعرن بأن الوقت المتبقي من وجود أمهاتهن معهن يجب أن يبقى جميلاً وإيجابياً، وبعيداً عن السلبية»، وتخطط فينغرمان لأن تدرس «الحاجة إلى احترام الكبير، وكيفية لعب هذا الأمر دوراً في المجتمعات».

تويتر