خسارة الوظيفة.. أزمة تقرّب بين شريكي الحياة

خسائر فقدان الرجل عمله يعوضها ترابط الزوجين. فوتوز.كوم

عقب الأزمة المالية التي طالت تأثيراتها العالم بأسره، خسر كثيرون وظائفهم، وهذه التجربة تعد من أقسى التجارب التي يمكن أن يمر بها الزوج خصوصا، لأن الوظيفة تعتبر سند الرجل في حياته اليومية وكذلك في أسرته، ليس لأنه معيل الأسرة فحسب، بل أيضا لأن الجلوس في المنزل يعد من أكثر الأمور التي يمكن أن تؤذيه نفسيا ومعنويا، لذا تعتبر المساندة التي تقدمها الزوجة إلى الرجل الداعم الأساسي لاستمرارية الأسرة في أزمات كهذه، حسب مختصين وأشخاص استطلعت «الإمارات اليوم» آراءهم، مشيرين إلى أنه على الزوجة أن تقدم الدعم المعنوي قبل المادي، وبالتالي تمنحه القدرة على البدء من جديد، على الرغم من الخسائر الاجتماعية التي ستترتب على الأسرة، جراء فقدان الرجل وظيفته.

وأكد الفلسطيني محمد عوض، الذي خسر وظيفته منذ ثلاثة أشهر «على الرغم من أنني بدأت في ممارسة العمل الحر، إلا أن خسارة الوظيفة كلفتني كثيرا من الناحية الاجتماعية وأبرزها الاضطراب في النظام التربوي في المنزل، فطفلتي الصغيرة كل يوم تذهب إلى الحضانة وتبكي، كما زاد تعرضها للأمراض في الحضانة، فالأطفال يتأثرون بترك أمهم لهم، وبالتالي هم يدفعون ثمن مساعدة زوجتي ومساندتها لي»، مشيرا إلى أنه يمر في الفترة الحالية بمرحلة تخبط، على الرغم من أنه قام بفتح شركة خاصة بسبب الرواتب المتدنية في السوق، لافتا إلى أن زوجته اضطرت إلى البحث عن فرصة عمل، وتمكنت من إيجاد عمل مناسب لها، كونها ذات مؤهلات عالية، ولكن هذا أجبرها على الغياب عن الأولاد، ووضع الطفلة الصغيرة في الحضانة، وإحضار خادمة لتكون في المنزل حين يعود ابنهما الأكبر من المدرسة. وأضاف عوض أن «التأثيرات طالت الجانب الحياتي لأسرتي، فعدلنا كل المشروعات العائلية أو الترفيهية أو حتى التسوقية، كما وضعنا برنامجا جديدا لنتمكن من خلاله من التكيف مع وضعنا المالي».

برنامج

وأشار اللبناني وليام خليل إلى أنه كان قد وضع خطة لتلقي خبر الاستغناء عن خدماته في أي وقت بحكم الظروف التي كانت تمر بها الشركة التي كان يعمل بها، لافتا إلى أنه وقبل الاستغناء عنه بدأ يخطط مع زوجته كيف سيرتب أمور الإقامة والحياة بالاعتماد على راتبها فقط، مضيفا «لم أشعر بالإحباط على الإطلاق، وقد تلقيت الدعم من زوجتي التي تساندني في هذه الأزمة، حيث أرى أن الحياة الزوجية قائمة على التعاون والمساندة، ولاسيما في خضم الأزمات، وكما تقف اليوم إلى جانبي، ستجدني إلى جانبها في مواجهتها أي أزمة».

وأكد أنه لا يشعر على الإطلاق بالفراغ، بل يحاول أن يشغل نفسه، فوضع برنامجا للبحث عن وظيفة، وكذلك يتابع بعض المحاضرات عبر الانترنت، لتطوير وتحسين مستواه المهني، بالإضافة إلى أنه يخفف عن زوجته بعض الأعباء المنزلية، كالتسوق وإحضار ابنهما من المدرسة.

بينما قالت اللبنانية مدى ضياء الدين «لم يفقد زوجي وظيفته بعد، ولكن الشركة لم تدفع راتبه منذ ستة أشهر، ما يعني أنه شبه خاسر وظيفته، وأن راتبي هو الدخل الأساسي للأسرة، فالموضوع شكل عبئا كبيرا على زوجي، فقد بحث بشكل جدي عن عمل من دون جدوى، كما أن راتبي ليس كبيرا، وبالتالي لا يكفي متطلبات الأسرة الأساسية». وأضافت «تغيرت حياتنا كثيرا بعد هذه الأزمة، وأصبحت أستغني عن الكثير من الأمور، ولاسيما لأولادي الصغار، ولكني على يقين أن هذا الموضوع سيكون لخيرنا في النهاية».

أما السورية أم غيث، فاعترفت بأن فقدان زوجها وظيفته يشعرها بالإحباط أحيانا، فهي حاليا تتولى تدبير حاجات المنزل من معاشها المتواضع؛ كونها مدرسة، إلا ان المشكلة الأساسية والمهمة ـ في رأيها ـ هي الوقت الذي يمر بسرعة من دون جدوى، موضحة «مر على فقدان زوجي عمله خمسة أشهر وإلى اليوم مازلت قادرة على تقديم المساندة المعنوية لزوجي، ولكني لا أعرف إن كنت سأضعف لأنني أرى أنه من الصعب جدا أن يجلس الرجل في المنزل من دون عمل، فهذا يسبب له أسوأ شعور يمكن أن يمر به الرجل في حياته، وهو الشعور بالعجز».

تكاتف

وقال الاستشاري في العلاقات الزوجية الدكتور عبدالله الأنصاري، إن «تأثير فقدان الرجل عمله في المنزل وفي الزواج يختلف بتباين المرحلة التي يمر بها شريكا الحياة، إذ يمر الزواج بثلاث مراحل، يبدأ من التعارف الذي قد يمتد من سنة إلى ثلاث أو خمس سنوات، ثم مرحلة التآلف التي يجب ألا تستمر لأكثر من سنة واحدة، وبعدها مرحلة التكاتف التي تتبلور فعليا بعد مرور الأزواج بأزمات»، مشيرا إلى أن الزواج الذي يتعرض لأزمات ومنها مثلا فقدان الزوج وظيفته، أثناء مرحلة التعارف، سيحكم عليه بالطلاق، لأن الزوجة لن تتحمل جلوس زوجها في المنزل، وبالتالي ستسمح لأهلها بالتدخل في الموضوع، لذا تعد مرحلة خطرة وحساسة.

أما عندما يخسر الرجل وظيفته، وزواجه في مرحلة التكاتف، فعندها ـ وفقا للأنصاري ـ يكون «الزوجان قد دخلا في لحمة واحدة ويمكنهما أن يتحملا أو يستمرا من دون قلق، وتكمن الإشكالية الأساسية في مرحلة التآلف، حين يكون الأزواج يحبون بعضهم بعضا واستقلوا، ولكن الزوجة تكون غير قادرة على تحمل التداعيات، ولهذا غالبا ما ننصح الزوج، بضرورة تعويض المرأة الماديات بالمعنويات، فلا يتأفف ويتذمر، بل على العكس يرفع معنوياتها ويحسن صورتها أمام الآخرين».

وأشار الأنصاري إلى أن الزوجة لا تنتظر من رجلها شيئا سوى المشاعر، ولهذا عليها أن تعرف كيف تخرج المشاعر من قلب زوجها، وإن منت عليه لن تتمكن من ذلك إطلاقا، أما الرجل فإنه لا يحتاج من زوجته إلا للتقدير، لذا يجب ألا تشعره بالإهانة كي لا تحبطه، بل على العكس عليها أن ترفع معنوياته وتؤكد له أنها أزمة وستمر، وأن الضربة التي لا تقضي على الإنسان تقويه، على حد تعبير الاستشاري في العلاقات الزوجية.

مساعدة

وأكدت الاستشارية في الطب النفسي في المركز الدولي للاستشارات النفسية، الدكتورة نجاح الصايغ، أن الرجل يشعر بالأذى النفسي حين يخسر عمله، كونه يكون معيل الأسرة، وبالتالي يفقد عمله وراتبه، وهذا وضع غير صحي، لافتة إلى أنه ليس جميع الرجال يصلون إلى مرحلة الإحباط، لأن المرأة أو شريكة الحياة تلعب دورا كبيرا في عدم وصول الزوج إلى هذه المرحلة، مضيفة أن «الزوجة الواعية، عليها أن تترك الوضع طبيعيا في المنزل، فتترك الأموال معه، وتعتمد عليه في التسوق، تماما كما في الأيام العادية كي لا يشعر بأن لا قيمة له، فالمرأة التي تعمل وراتبها لا يكفيها ستواجه مشكلة وعليها أن تحاول التخلي عن بعض الأمور كي لا يشعر زوجها بالإحباط، وكذلك لأن الراحة في المنزل ستساعد الزوج على أن يجد عملا بديلا بسرعة، مع الحرص على عدم الخجل من أي عمل وإن كان المنصب أقل من الذي كان يشغله، لأنها فرصة لإعادة البناء من جديد».

ومساندة الزوجة لا تتوقف على الدعمين المعنوي والمادي، بل يجب أن تكون حليمة، وفقا للصايغ التي أشارت إلى أن الوظيفة والراتب هما السند للرجل، وبالتالي يفقد سنده بفقدان الوظيـفة، وعليها أن تسـانده بالكلام الايجابي، لتتجنب المشكـلات، لأن الرجل الذي يحصل على الاحترام من قبل الزوجة لن يكون ناكرا للجميل، سواء في أيام عمله أو تقاعده، مشيرة إلى ان الاحترام هو أساس العلاقة الزوجية، وبالتالي يجب ألا تزعزع الأزمات هذا الاحترام لتجنب الخلافات الزوجية.

تويتر