ذاكــرة الفلسطيـنــي قبــل تحـوّلـه إلى «رقم»

مشهد من فيلم «المر والرمّان» للمخرجة نجوى نجار. من المصدر

تتحول السينما الفلسطينية سنة بعد سنة إلى سجل توثيقي وجمالي يتزايد حضوره وحجمه على نحو لافت، يدفع مباشرة للتأكيد على سعي أفلامها لالتقاط تاريخ سرعان ما ينزلق ويغيب تحت كم الدمار والردم الذي يمحو ويغيب، ولتأتي متسلحة بالذاكرة، وانتشال البشر والتواريخ والقصص وتثبيتها، إضافة لتقديم سرد موازٍ يخرج الفلسطيني من مصير الرقم الذي يمر في نشرات الأخبار عند تعداد القتلى والجرحى على يد الإسرائيليين.

يمكن لكل متابع أن يرصد التحولات التي طرأت على هذه السينما وكيف خرجت من الشعارات والتوظيف المباشر لمتطلبات الكفاح المسلح إلى الإنسان الفلسطيني وتقديمه ككائن من لحم ودم، يحب ويغضب ويحلم ويسعى لأن تكون حياته على ما هي عليه حياة أي إنسان على سطح هذا الكوكب.

طبعاً نجاحات إيليا أبو سليمان وهاني أبو أسعد تتكلم، لكن ليس حديثنا الآن في سياق استعادي، بقدر ما نطمح لتسليط الضوء على ما قدمته هذه السينما في عام  2008، ومن خلال ثلاثة أفلام روائية وفيلمين وثائقيين.

يمكن القول بداية لدى استعادة الروائي منها، بأنها جميعاً عانت من مشكلات يفترض أنه تم تجاوزها منذ زمن طويل، كما أن فيلمين من الثلاثة كانا لمخرجتين قدمتا أولى تجاربهما الروائية، فآن ماري جاسر قدمت فيلم «ملح هذا البحر» الذي عرض للمرة الأولى في مسابقة «نظرة ما» في مهرجان كان، بينما عرض فيلم نجوى نجار «المر والرمان» للمرة الأولى في مهرجان دبي مفتتحاً برنامج «ليالٍ عربية».

في «ملح هذا البحر» سبقت الفكرة الفيلم، وليأتي السرد مركباً، وعلى شيء من تطويع كل شيء لخدمات غايات جاسر المعدة مسبقاً، مثل السطو على البنك الذي يكون في النهاية في خدمة عبور ثريا وعماد كل أراضي فلسطين التاريخية، وحوار ثريا مع المستوطنة الإسرائيلية وغير ذلك الكثير مما أثقل كاهل الفيلم بما كل ما له أن يكون ارتجالاً مضطرباً.

نقطة ضعف «ملح هذا البحر» كانت في السيناريو بشكل رئيس والذي ألقى بظله على عناصر أخرى، الأمر الذي سيكون حاضراً أيضاً في «المر والرمان» لكن بدرجة أقل، ولعل فيلم النجار سيكون بعيداً تماماً عن الارتجال والخطابية، وأميل لتقديم فكرة بسيطة مفادها في مقاومة الوحشية الإسرائيلية بالرقص، والانحياز التام للأنوثة، عبر رصد عذابات زوجة من يعتقل في السجون الاسرائيلية، وعبر ملاحقة نوازعها ورغباتها.

ثالث الأفلام الروائية كان لرشيد مشهراوي بعنوان «عيد ميلاد ليلى» (جائزة أفضل سيناريو في مهرجان الشرق الأوسط)، ولعله من أفضل ما قدمه هذا المخرج، بحيث يكون التوصيف الأقرب لهذا الفيلم بكونه وفياً لعناصره، وعلى تناغم تام مع ما يسعى تقديمه من خلال أبو ليلى من توثيق لحياة الفلسطينيين في ظل الحصار والإصرار على مواصلة الحياة الطبيعية رغم كل الظروف غير الطبيعية.

وثائقياً سيتبادر إلى الذهن مباشرة فيلم حنا مصلح «ذاكرة الصبار» (جائزة أفضل فيلم وثائقياً في مسابقة المهر العربي) والتوثيق المؤلم لثلاث قرى فلسطينية مسحها الإسرائيليون من على وجه الأرض، وأقاموا مكانها حديقة «كندا».

وفي مقاربة وثائقية أخرى قدم عبدالسلام شحادة في فيلمه «إلى أبي» سيرة فلسطين عبر الصور الفوتوغرافية في احتفاء بالحياة وهي تلوّن بالعذاب، وسرد خاص يعطي للصور أبعادها ووثائقيتها، ويجعلها بتميز مادة درامية بمجرد أن تتغير ألوانها، أو تتحول إلى صور هوية أو اعتقال أو موت.

تويتر