أَهدافُ التّجديد لِلعامِ الجَديدِ

الحياةُ كالسّاعة تدورعقاربها باتجاهٍ واحد، لا تعودُ بالاتّجاه المعاكسِ أبداً، وهذه رسالةٌ مضمونها أنّ ما يمضي من عمرنا لا يمكن الرجوع والعودة إليه (ما يذهب لن يعودَ أبداً)، فكلّ دقيقة من دقائقِ السّاعة هي لحظةٌ من لحظاتِ عمرِنا الجميل، لحظةُ الماضي، لحظةُ الحاضر، ولحظةُ المستقبل، هذه اللّحظات تنتقل مع مشوار حياتنا خطوةً بخطوة، ففرحُ الماضي يمتدّ للحاضر ومن ثمّ لمستقبلٍ زاهٍ مليءٍ بالإيجابيّة، أما حزنُ الماضي إذا استمرّ للحاضر أحاط حياتنا بالبؤس، وحوّلها مستقبلاً للوحةٍ فنيّةٍ يسودها اللّونان الأبيض والأسود فقط، والسّؤال الذي يطرح نفسهُ، لماذا ننقل هذه اللّحظات مع مسيرة حياتنا؟، لماذا لا نعيشُ اللّحظة بحلوها ومرّها؟، لا بأسَ إن نقلنا الفرحَ معنا، ولكنّ دقائقَ الحزنِ تعلق في الأذهان، ويفضّل تركها في لحظتها المخصّصة واستبدالها بسعادةٍ؛ حتى لا تكونَ عائقاً في تحقيق الأهداف المرجوّة مستقبلاً، وذلك قد يكون سهلاً من النّاحية النّظريّة، ولكنّ تطبيقَه على أرض الواقع صعبٌ، ويحتاجُ لإرادةٍ وعزيمةٍ صامدة، فهي بمثابة صندوقِ دعمٍ لتحقيق هذه الأهداف، وذلك يتطلّب ما يلي:
1. عِشْ اللّحظة الآن أكثر من المستقبل: معظم النّاس تراهم هائمين في عالم الماضي، يقفون على الأطلالِ ويتذكّرون دقائقه الّتي لن تعود، متحسّرين على المستقبل الذي ربّما لا يأتي أبداً، ففقدوا الماضي، و يضيّعون الحاضر، وسيخسرون المستقبل إن أتى، فما عاشوا ماضياً ولا يعيشون حاضراً ولن يعيشوا مستقبلاً.
2. الأهداف لا تتحقّق بسهولةٍ: فهي تحتاجُ عملاً دؤوباً متواصلاً، وامتلاكُ ذخرٍ من التّجاربِ والمعلومات السّابقة التي يُبنى عليها سّلّمٌ للصّعود نحو تحقيقها.

إِنَّ حياتنا وحياة الآخرين مليئة بالتّجارب والخبرات ، هذا بدوره كفيلٌ بدفع الفرد نحو الأمام والاستفادة من ذلك، إذ إنّها حجر الأساس الذي يدفعه لذروة حلمهِ، مترافقاً مع سرّ النّجاح ألا وهو الاجتهاد والإصرار، وعدم اليأس الذي يجعل الإنسان يسيرُ في دائرةٍ مفرغةٍ دون جدوى (لا تيأسوا من رَوحِ الله إنّه لا ييأس من رَوحِ الله إلّا القومُ الكافرون).


لذا نجد أنّ النّظر للماضي يفيدُ في معرفة الأعمالِ المنجَزَة بنجاحٍ، فتكون كمرجعٍ يُستفادُ منه لتحقيق الأهداف المستقبليّة، والمتّصفة بأنّها أهدافٌ واقعيّةٌ، ملموسةٌ، قابلةٌ للإنجاز، محدّدةٌ بدقّة ، قابلةٌ للقياس والتّقييم، وأن تكون مُؤَطَّرةً بزمن، وغير مرهِقَةٍ لصاحبها.
وللوصول للهدف المرجوّ بكفاءةٍ عاليةٍ لا بدّ من اتّباع مصفوفةِ " تحقيق الأهداف الزّمنيّة" للعالِمِ "ستيفن كوفي" بأبعادها الأربعة لتساعد في تنظيم الأهداف ووضعها في المكان الصّحيح، وهي كما يلي:


A. بُعد الخداع: وتكون فيه الأهداف غير هامّة وعاجلة، أي ننخدع بأهميّتها المزيّفة، كتلقّي اتّصال هاتفيّ من أحدهم، عاجلٌ لكنّه غير مهمّ، كذلك استقبال زوّار بشكلٍ مفاجئ، وأيضاً حضور اجتماع عاجل لكن لا أهميّة له.
B. بُعد الضّياع: في هذا البُعد تكون الأهداف غير هامّة وغير عاجلة، فيها إضاعة للوقت، كبعض الأحاديث التي لا تفيد ولا تُغني، أو مشاهدة التّلفاز لوقتٍ طويلٍ بشكلٍ يمنع متابعة الأعمال والنّشاطات، وكذلك دردشات الجوّال والنّت.
C. بُعد المستقبَل: وتندرج تحت هذا البند الأهداف الهامّة وغير العاجلة، إذ يمكن تحقيقها بعد فترة زمنيّة محددة، كتحقيق إنجازٍ وظيفيّ معيّن، التّخطيط لسفر، حضور دورات تدريبيّة، القيام بمشروع تجاري، وأمثلة كثيرة من حياتنا اليوميّة.
D. بُعد الطّوارئ أو التّنفيذ: وفيه تكون الأهداف هامّة وعاجلة ولا تحتمل التّأجيل، كالأزمات والمشكلات الطّارئة في العمل كالحاجة لصيانة عاجلة، أو اجتماع طارئٍ مهمّ حُدّدَ مُتأخّراً، أو تدريس الأبناء يوم الاختبار.

وبناءً على هذه المصفوفة يمكن للإنسان أن يحدّد أهدافه وفق أولويّتها، بحيث لا تكون مرهقة له في الحاضر أو المستقبل، بل يحقّقها بكفاءةٍ ومثاليّة. فعلى كلّ شخصٍ عاقلٍ طامحٍ لتحقيقِ أهدافه أن يقيّمَ ما حقّقه في عامه الماضي، مع الاستفادة من خبراته وتجاربه، وتسخيرها لتحقيق أهدافٍ أفضل في العام القادم، مترافقاً بيقينٍ أن ّ كلّ ما يصيبه  مكتوبٌ، وبيدِ الله (لن يُصيبنا إلا ما كتبَ الله لنا)، فحسنّ الظّنّ بالله يدفعنا جميعاً لنعملَ خيراً ونقدّمه للغير، وبالتّالي سيعود علينا خيراً، فالجزاء من جنس العمل، والقادمُ أجملُ بإذن الله.

                                                                    بقلم.. مايا الهواري.. اول باحثة دكتوراة في الذكاء العاطفي والقيادة في الوطن العربي

                                                                                                                                                       

تويتر