مُجدد الموسيقى العراقية يُحضّر أغنية للأمل

إلهام المدفعي: إن استمر الوباء سأفتح نافذتي وأغني منها للناس

المدفعي: يجب أن نستمر بالغناء في كل الظروف حتى نبعث برسالة أمل إلى العالم. أرشيفية

يستعد الموسيقار العراقي إلهام المدفعي، الذي أحدث قبل نحو نصف قرن ثورة في الأغنية العراقية، من خلال إدخال الآلات الغربية على الأغنيات التراثية، لإطلاق أغنية جديدة تتمحور حول الأمل في مرحلة ما بعد الجائحة.

فهذا الموسيقار السبعيني المتمرد المعروف بكونه أدخل الفرح إلى الأغنية العراقية، التي غالباً ما تطغى عليها مسحة الحزن، جاعلاً الشباب يرقصون على أنغامها، يقول في أغنيته الجديدة التي كتب كلماتها الشاعر الأردني الشاب عمر ساري، وتشاركه فيها المطربة العراقية نادين الخالدي: «بعد الغياب لازم تعود، حلمك سحاب، حزنك سراب، عود بحنان، صوتك رنين، خلي الحزين ينسى العتاب».

ويقول المدفعي من منزله في عمّان، حيث ظل محجوراً لعام بسبب فيروس «كورونا»: «يجب أن نستمر بالغناء في كل الظروف حتى نبعث برسالة أمل إلى العالم، فالموسيقى هي لغة الشعوب، تعبر كل الحدود وتصل إلى أقصى بقاع العالم».

ويتابع المغني والعازف والكاتب والملحن: «لو استمر الوباء فترة أطول سأفتح نافذتي يوماً وأغني منها للناس، كما كان الأوروبيون يغنون من شرفات منازلهم ثم يصفقون لأنفسهم، فالحياة يجب أن تستمر»، رغم الجائحة التي تسببت في وفاة أكثر من 2.6 مليون شخص حول العالم.

وبعدما اضطر إلى إلغاء حفلات كانت مقررة عام 2020 في بريطانيا وألمانيا وإيطاليا والسويد والسعودية ودول الخليج، أطل المدفعي في مايو على جمهوره بحفلة من دون جمهور من المدرج الروماني وسط عمّان.

ويقول المدفعي الذي يقضي أوقات فراغه في الرسم وكتابة الشعر والغناء: «نحن نعيش في ظروف غير طبيعية لكنها ضرورية، كانت سنة صعبة، فقدنا خلالها التواصل مع العالم، ولم نعدّ نخرج ونتواصل مع الناس، ولم نحضر الحفلات، لقد توقف كل شيء».

«لنفتح الصندوق»

يروي المدفعي، الذي تعلم العزف على الغيتار وهو في سن الـ12 أنه نشأ «في منزل يعشق الموسيقى. كان الجميع فيه يغني، من رجال ونساء وأطفال».

ويضيف الفنان الذي مازال يستقطب جيلاً كاملاً من المهتمين بالموسيقى العراقية: «في ذلك الوقت، في خمسينات القرن الـ20، كان الفن مزدهراً في العراق. ففي بغداد وحدها كان يوجد 85 مغنية عراقية يغنين في الملاهي التي كان يزورها كبار القوم».

وفي الستينات شكل إلهام، فرقة «ذي تويسترز»، وهي من أوائل مجموعات موسيقى الأغنيات الغربية في العراق، وعندما أرسلته عائلته إلى لندن لدراسة الهندسة المعمارية أسوة بأخوته، ازداد حبه وولعه بالأغنيات الغربية، خصوصاً أغنيات فرقة «بيتلز» البريطانية.

وعندما عاد المدفعي إلى بغداد عام 1967 قرر تشكيل فرقة جديدة أطلق عليها اسم «13 ونص» واستخدم فيها الغيتارات الكهربائية والطبول والباس والبيانو في إحياء الكثير من أغنيات التراث العراقي بتوزيع غربي مفرح، ما سبّب صدمة للمدافعين عن الموسيقى العربية الكلاسيكية الذين طالبوا بإيقافه عند حده.

ولكنه استمر وقدم أجمل أغنيات التراث، منها: «جلجل علي الزمان» و«مالي شغل بالسوق» و«فوق النخل» و«زارع البزرنكوش» و«خطار»، التي حقق ألبومها أكثر مبيعات في الشرق الأوسط لثلاث سنوات متتالية، وحصلت على لقب الألبوم البلاتيني من شركة «إي إم آي» البريطانية.

ويقول: «الناس كانوا معتادين على الآلات الموسيقية الشرقية والملابس الشرقية، أما أنا فغيرت كل هذا وابتكرت أسلوباً جديداً، كنت أدافع عن الأغنية الحديثة التي بإمكاننا عرضها في كل مكان بالعالم».

ويضيف: «كانت هناك أغنيات عراقية قديمة جميلة جداً، لكنها غير معروفة، فتساءلت لماذا يوضع هذا الكنز في صندوق مقفل؟ فلنفتح هذا الصندوق. قلت: دعونا نخرج هذه الأغنيات للعالم كي يسمعها، هذه الأغنيات ليست ملكاً لأحد، بل هي تراثنا جميعاً».

ويتابع قائلاً: «كل ما فعلته هو تجديد الأغنية العراقية القديمة، كي تبقى وتقاوم الزمن مثلما نرمم بناية قديمة لكي تبقى وتقاوم آثار الزمن».

ويحن المدفعي لبلده العراق الذي غادره مرتين، الأولى عام 1979 والثانية عام 1994، ليستقر في الأردن، ويعتبر أن «ليس من السهل أن يعيش المرء بعيداً من بلده، فالارتباط الأساسي للفنان هو في بلده منبع التراب والفن، ولكن كلنا تركنا بلدنا لسبب ما».

ورغم أنه غنى في أشهر قاعات العالم كـ«رويال ألبرت هول» و«كوين أليزابيث هول» في لندن ومسرح «تريانون» في باريس ودور الأوبرا في العديد من دول العالم، يحلم المدفعي بأن يغني يوماً في «مقهى الزهاوي»، أقدم مقاهي بغداد، وهو تأسس عام 1917 ويقع في بداية شارع المتنبي وسط بغداد، وكان يغني فيه أبرز مطربي المقام العراقي محمد القبانجي ويوسف عمر.

ويقول إن «الناس الذين يأتون إلى هذا الشارع الذي لا يتجاوز طوله 200 متر من كتاب ومثقفين وموسيقيين وفنانين من كل الطوائف والأديان، يتنفسون الثقافة التي كنا نبحث عنها طوال حياتنا».

• في خمسينات القرن الـ20 كان الفن مزدهراً، وكان في بغداد وحدها 85 مغنية.

تويتر