شارك في «المسرح العالمي للطفل والدمى» بدبي

عبدالناصر التميمي: «الحكواتي» يذهب إلى الجمهور ولا ينتظره

التميمي: التمثيل المسرحي قادني إلى فن «الحكواتي». تصوير: أشوك فيرما

من قصص «ألف ليلة وليلة»، وعالم «كليلة ودمنة»، إلى جانب الموروث الشعبي، يستوحي عبدالناصر التميمي، الحكايات التي يرويها للناس. يرتدي أزياء من مختلف البلدان والثقافات، وعلى كرسيه الخاص يجلس أمام الحضور، ليسلب انتباههم لنحو نصف ساعة من الوقت أو أكثر، ويثير فضولهم ليتابعوا الحكايات التي يروي جزءاً منها في كل يوم. استفاد التميمي من التمثيل المسرحي، فهو الذي قاده إلى فن «الحكواتي»، الذي يراه يعاني خطر الاندثار، ويشجع على دخول المجال لأنه الأساس في الحفاظ على الثقافات، وكذلك في انتقالها إلى الأجيال الجديدة والثقافات الأخرى.

لا يكتفي الحكواتي برواية قصص الأطفال، ويمكنه أن يطرح قصصاً طويلة للكبار تحتاج إلى 10 أيام لتنتهي.


رواة الإمارات

لفت عبدالناصر التميمي إلى وجود عدد من الحكواتيين في الإمارات، من جنسيات عربية مختلفة، في حين أن التراث الإماراتي يعتمد على الرواة، وهم كبار في السن، وحتى هؤلاء عانوا منذ فترة من الزمن عدم وجود الاهتمام الكافي بهم، إلى أن نظم منذ مدة «ملتقى الراوي»، الذي كان بمبادرة من معهد التراث العربي في الشارقة. ونوه بأن هذا الملتقى يعيد الحكايات التي يرويها الرواة، ويشجع على الإبقاء على وجود الحكواتي، خصوصاً من خلال التدريب وخروجهم إلى الأسواق والمدارس، فالتدريب والتلقين مهمان للجيل الجديد.

التميمي، الذي التقته «الإمارات اليوم» على هامش مهرجان «المسرح العالمي للطفل والدمى»، الذي اختتم في دبي، أول من أمس، قال عن بداياته كحكواتي: «في الأساس كنت أعمل في التمثيل المسرحي والكتابة، ومنذ سنتين أقامت جمعية المسرحيين الإماراتية ورشة عمل حول فنون الفرجة، وكان من بينها ورش عمل خاصة حول المسرح الحر المتنقل، ومسرح العرائس، والحكواتي، وهو الفن الذي لا يقدم على المسرح، بل في الساحات». وأضاف أن «الحكواتي يزور المدارس أو المراكز، ويذهب للجمهور بدلاً من انتظار الجمهور للقدوم إلى المسرح، وهو أمر فعال ويحافظ على وجود الحكواتي، خصوصاً أنه يقوم على الاتصال المباشر مع الجمهور، وهذا يدفع الجمهور إلى التواصل معه ومتابعته».

ويعود مصدر الحكايات التي يقدمها التميمي إلى التراث الشعبي بالدرجة الأولى، فهو يعتمد على الموروث وحكايات الأطفال المكتوبة، إلى جانب بعض القصص التي يكتبها، مستفيداً من خبرته في العمل المسرحي، كما أنه يعتمد في العروض على القصص القصيرة التي لا تتجاوز خمس دقائق، يقدم فيها للطفل درساً في السلوك الجيد، لأن الهدف الأساسي من هذا الفن تقديم معلومة جيدة للأطفال، كون الطفل يتلقاها بسرعة.

أما المؤثرات التي تستخدم لجذب انتباه الطفل، فمتعددة ومن بينها الملابس والأزياء التي تلفت الأنظار، وفيها الكثير من الثقافات أو البهرجة، إلى جانب الصوت، ولفت التميمي إلى استخدام الليزر وفقاقيع الصابون والموسيقى المصاحبة للحركة، إلى جانب وجود أغنية أو أنشودة في سياق القصة. وأشار إلى أن العرض قد يمتد إلى الساعة ونصف الساعة، أو الساعتين في بعض الأحيان، لكنه يقسم إلى فقرات قصيرة، تتيح للطفل الاستمتاع وتضمن عدم الملل، مشيراً إلى أن هذا التقطيع في العروض يجعل الجمهور يتبدل في كل فقرة، ويتيح وصول العرض إلى أكبر عدد ممكن.

لا يكتفي الحكواتي برواية قصص الأطفال، ويؤكد التميمي أنه يمكن أن يطرح القصص الطويلة للكبار، التي تستغرق ما يقارب 10 أيام حتى تنتهي، لكن في كل يوم يتوقف عند ذروة معينة في القصة، ليضمن حضور الجمهور في اليوم التالي، موضحاً أن على الحكواتي التوقف عند حدث مفصلي، وكذلك لابد من استخدام التشويق مع الجمهور. ونوه بأن إلقاء الحكايات يكون باللهجة المحكية أو العربية الفصحى، بحسب الجمهور، كما أنه يلقي بعض الحكايا باللغة الإنجليزية. ومن التقنيات المستخدمة خلال رواية الحكاية، تبديل الأصوات خلال الإلقاء، لاسيما عند وجود محاورة في القصة، فعلى الحكواتي تقليد الأصوات في الحوار، وكذلك أن يكون الراوي الذي يقوم برواية الأحداث. إلى جانب ذلك، أكد التميمي أن على الراوي أن يعرف متى يرفع صوته ومتى يخفضه، موضحاً أنه تدرب على الالقاء، وعلى مخارج الحروف، لأن الحكواتي يحتاج إلى الإحماء قبل بدء الحكاية، لاسيما لجهة الصوت، فهم يتدربون على تمارين الصوت، ومنها تمارين السلم الموسيقي، التي يتدرب عليها المغنون، والتي تعد أساسية للحكواتي.

ويربط التميمي غياب الحكواتي بظهور التلفاز وكذلك الكتاب المصور، مضيفاً أنه في السنين الأخيرة، بات الكبار وكذلك الصغار يحبون قراءة القصص من مواقع التواصل الاجتماعي، وهنا لابد من التركيز على دور الحكواتي لأن كلامه موجه، ولا يقدم من فضاء واسع على الطفل الاختيار منه. واعتبر وجود الحكواتي مهماً جداً كونه ينقل التراث عبر الأجيال، وكذلك ينقل ثقافة البلد إلى الثقافات الأخرى. ولفت إلى أنه من خلال عمله حينما يتعمد نقل القصص التراثية، لاسيما التي تعتمد على الكائنات الموجودة في قصص الخرافات، «نجد هناك تشابهاً مع ثقافات أخرى، فاليابانيون قالوا لي إنهم يملكون في رواياتهم جنية البحر، التي كنت أتحدث عنها في واحدة من الروايات»، لافتاً إلى أن التفاعل مع القصص يكون بين اللغات، وإن لم يجيدوا اللغة ذاتها.

وأشار التميمي إلى وجود آثار إيجابية أيضاً للحكواتي، تكمن في زيادة حب الاطلاع والتعلم، فهناك بعض القصص المكتوبة، والاستماع إلى القصة سيثير فضول الجمهور للمزيد من المعرفة حول القصص، وبالتالي يذهب ويبحث عنها عبر الإنترنت. ورأى أن الروايات التي تقدم في غاية الجمال والتشويق، لكن الناس لا تعرف هذه الحكايات، وهذا يثير الفضول في المعرفة والتعلم ونقل الثقافة من جيل إلى جيل، الأمر الذي يسهم في عدم اندثار التراث، لهذا لابد من الحفاظ على مهنة الحكواتي، للحفاظ على تراثنا.

تويتر