اجتاز الربع الخالي مرتين.. وشارك في أسفار مبارك بن لندن

سالم بن غبيشة مضى في رحلته الأخيرة

صورة

بعد العديد من الرحلات التي قام بها منذ طفولته، غادرنا الرحالة الإماراتي سالم بن غبيشة الراشدي، مع بداية العام الجديد إلى رحلته الأخيرة، حيث انتقل إلى جوار ربه يوم السبت الماضي (2 يناير الجاري) في أبوظبي، بعد أن سجل اسمه في تاريخ المنطقة، من خلال مشاركته الرحالة المشهور ويلفرد ثيسجر، أو «مبارك بن لندن» كما عرف لدى سكان المنطقة، في رحلة اجتيازه لصحراء الربع الخالي مرتين في عامي 1945 و1950، واليوميات التي سجلها بن لندن عن الرحلتين في كتابه الشهير «رمال عربية»، متطرّقاً فيه إلى مرافقيه (السالمين) سالم بن غبيشة وسالم بن كبينه، وكانا وقتها في الـ15 من العمر، بل وقام «بن لندن» بإهداء الكتاب لهما.

ارتباط بالصحراء

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2016/01/419662.jpg

ترجع أهمية رحلات السير ويلفرد ثيسجر، أو مبارك بن لندن، الذي توفي عام 2003، إلى اليوميات التي دوّنها عن هذه الرحلات، والصور التي أرفقها معها، حيث كان بأسلوب يتسم بدقة الوصف ورسم صورة تقدم الواقع في إطار خيال خصب محايد، ودقة في التعبير ووصف الشخصيات والأماكن، وهو الأسلوب الذي وصف به رحلاته بين أعوام 1945 و1950 حول وعبر الربع الخالي، ولم يسبق لرحالة قبله أوروبياً كان أم عربياً، ما عدا البدو الذين يعيشون هناك، أن تجرأ على عبور تلك الرمال الخاوية مرتين. وكان الرجل مقتنعاً بأنها «واحدة من أماكن قليلة باقية ترضي رغبتي الجامحة في أن أزور مناطق لم يسبقني أي أحد إليها»، كما أشار إلى ارتباطه الكبير بالصحراء وأهلها، ورغبته الدائمة في العودة إليها في كتابه «الرمال العربية» قائلاً: «إن حياة الصحراء القاسية أعادتني إليها، إنه الانجذاب نفسه الذي يعيد الرجال إلى القطب الجنوبي، وإلى الجبال الشاهقة».

وقد انتجت هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة في 2012، بالتعاون مع «أبوظبي للإعلام» فيلماً وثائقياً بعنوان «على خُطى ثيسجر»، يتتبع فيها رحالة شباب خط رحلة بن لندن، ويظهر في الفيلم بن غبيشة وبن كبينة.

مشاركة بن غبيشة في هذه الرحلة الخطرة، رغم صغر سنه، استند إلى مهارته دليلاً في البادية التي عشقها موطناً له ولأجداده، حيث ينتمي الراحل إلى قبيلة (الكثيرية) من همدان، فكانت مرافقة الرحالة الأجانب هي المهنة الأكثر جاذبية له ولكثير من الأدلاء الذين امتهنوا هذه المهنة لإشباع رغبتهم في المغامرة، واكتشاف محيطهم المجهول بالنسبة إليهم، وبالتالي اكتساب معارف وثقافات جديدة لم تكن معرفتها يسيرة إلا بمصاحبة الرحالة الأجانب ممن يتوافدون على جزيرة العرب بغرض البحث والاستكشاف.

بداية اللقاء بين بن لندن وبن غبيشة كان في مدينة صلالة العُمانية، عندما كان الأول يحضر لرحلته إلى المكلا، وكان يحتاج إلى مرافق آخر ينضم إلى فريقه في الرحلة، إضافة إلى رفيقه المصاحب له من قبل بن كبينة، حيث لاحظ ثيسجر، بحسب ما يذكر في كتابه الشهير «الرمال العربية»، عند بركة العيون بعد اجتيازهم ممر كسميم، أن صبياً يرافق بن كبينة وفي نفس عمره تقريباً يرتدي قطعة قماش زرقاء اللون طويلة، لفها حول وسطه وطرفها فوق كتفه الأيمن، وشعره القاتم متدلياً على كتفه كشعر الفرس، ووجهه ذو جمال كلاسيكي حالم، يشوبه شيء من الحزن الهادئ. وكان يمشي برشاقة ناعمة. موضحاً أن «مظهر الفتى كان قد يشي للغريب بأن هذا الجسم الوديع غير قادر على تحمل مشاق السفر وحياة الصحراء، لكنه كان يعلم مدى القدرة على التحمّل التي تُميز صبيان البدو».

قدم الفتى نفسه لثيسجر، وفقاً لما ورد في الكتاب، قائلاً: «اسمي سالم بن غبيشة»، وطلب منه أن يرافقه في رحلته، وهنا تدخل صديقه بن كبينة، مناشداً ثيسجر أن يسمح له بمرافقتهما، قائلاً: «إنه أفضل رام في القبيلة ويجيد الصيد»، وأردف بن كبينة محدثاً ثيسجر: «إنه صديقي، دعه يأتي معنا من أجلي، وسنذهب معك إلى حيث تريد وسنكون دائماً رجالك»، هنا أعطى ثيسجر الإشارة لابن غبيشة بمرافقتهما. وكانت هذه هي الانطلاقة الأولى لابن غبيشة في عالم الرحلات الاستكشافية بمعية صديقه بن كبينة ومبارك بن لندن.

خلال رحلاتهما مع مبارك بن لندن، التي بدأت من المكلا إلى صلالة عام 1946 وانتهت عام 1949، خاض بن كبينة وبن غبيشة كثيراً من المغامرات، التي تجاوزاها بفضل حبهما للمغامرة وشجاعتهما ومهاراتهما في خوض الصحراء. وهناك العديد من المواقف التي يذكرها بن لندن في كتابه في هذا الشأن، من بينها شجاعة بن غبيشة في ركوب الطائرة من صلالة إلى حضرموت، في الوقت الذي خاف منها بقية البدو، الذين دعاهم الرحالة الإنجليزي لركوبها معه، حيث كان سكان المنطقة يخشونها ويعتقدون أن من يركبها لابد أن يلقى حتفه.

تويتر